.
لا يستطيع موريتاني منصف إنكار ما يشهده البلد من تغير إيجابي ظاهر، سواء تعلق الأمر بتصحيح جوانب الخلل التي لم يوفق فيها النظام السابق، أو بداية مسيرة إصلاحية جديدة شاملة لم تكن ضمن أولويات النظام السالف..فقد رُدّت كثير من المظالم، كما وقع مع عدد من الموظفين الذين طُردوا تعسفيا، وأعيدوا إلى عملهم، مع تعويضهم عن الفترة السابقة ماديا ومعنويا، وكما وقع- أيضا-مع رجال الأعمال الذين نُفوا من بلدهم بغير حق، ثم أعيدوا إليه. إلى غير ذلك من المظالم التي رُدت. أما جانب الإصلاح فظاهر للعيان، وأهمه عندي تعيين وزراء مشهود لهم بالكفاءة والأمانة، والحرص على المصلحة العامة.
ولئن أشرنا إلى جوانب الخلل الماضية التي يسعى النظام القائم إلى تصحيحها، فثمة جوانب مشرقة استطاع النظام السابق تحقيقها، ولن يدفعنا ذهاب دولته، وانفضاض الناس من حوله إلى إنكارها، وعدم التنويه بها. ومن تلك النقاط الإيجابية حسن تعامله مع ملف " السجناء السلفيين"، حتى صار تعامله معه تجربة عالمية ملهمة، أشادت بها دول ومنظمات دولية عدة، وإن لم تخل من أخطاء لا يكاد يسلم منها البشر.
إن المطلوب من النظام الحالي ليس تصحيح جوانب قصور النظام السابق فحسب، وإنما تقوية نقاط قوته أيضا كمّاً ونوعاً، في جميع المجالات، وبشكل أخص المجال الأمني الأهم، والمتعلق بالتعامل مع سجناء التيار الجهادي سابقا، وكم من دولة تتمنى لو أُتيح لها التعامل معه كما تعاملت معه موريتانيا!.
لقد أصدر السجناء الإسلاميون في الأيام الماضية بيانين اثنين مكتوبين بلغة هادئة متفائلة، ووقّعهما عدد كبير منهم، ودعَوا فيهما إلى أن يُعطوا حظّهم من الهدنة التي تطبع الساحة المحلية، وأن يظفروا بنصيبهم من جو التسامح السائد في بلادنا؛ فلماذا لا نتجاوب معهم؟
نعم، قد يكون من بينهم من كان منحرفا فكريا؛ لجهله، أو لعدم احتوائه...، ومنهم من أوتي من قبل صحبته ومرافقته لبعض المنحرفين...، ومنهم في المقابل من كان عارفا بما يقول، مستدلا بالمنقول والمعقول، غير أنه لم يحسن توظيف معارفه الشرعية، ولم ينظر إلى الواقع نظرة مقاصدية؛ فهو في حكم العالم المتأول...،لكن الجميع تراجع عن الأفكار المخالفة للشريعة الإسلامية، وتفهّم ما كان يبيّنه أهل العلم والدعوة في هذا البلد، وعلم أنه لم يكن على الجادة، وطلب العفو والصفح، وفتْح صفحة جديدة، لن تُسوّد بما سُوّدت به سابقا، بغضّ النظر عن دوافعه ومسوّغاته؛ أفيعجز فخامة الرئيس عن النظر في هذه المطالب؟ لا أحسبه سيعجز، وما مضى من عهْدِه و"تعهداته"يبشر بخير في هذا الملف وغيره، نسأل الله له التوفيق والسداد.
لقد أثبتت الأيام نجاح تجربة النظام السابق في التعامل مع سجناء السلفية؛ ذلك أن أغلب من أطلق سراحه يعيش عيشة مرضية، ويخدم أهله ومجتمعه وأمته، وقد تاب من كان منهم مذنبا، ونضج من كان منهم مراهقا، وإعادة هذه التجربة واستئنافها من قِبل نظامنا هذا سيحقق النتائج الإيجابية نفسها بل أفضل منها بإذن الله تعالى.
بطبيعة الحال، أدرك جيدا أن القائمين على هذا الملف أعلم بما يكتنفه، وأدرى بالطريقة المثلى لحلّه، وما هذه إلا دعوة إلى إعادة النظر في مطالب أولائك المواطنين، الذين تنتظرهم أمهاتهم، وفلذات أكبادهم، ويعانون من السجن والفقر وقلة ذات اليد، ويضاف إلى ذلك كلّه حالة الهلع العامة، جرّاء هذه الجائحة العالمية سريعة الانتشار في الفضاءات المفتوحة، بله الفضاءات المغلقة المكتظة بالبشر.
فهل إلى البحث عن السُّبل الكفيلة بتحقيق مصلحتهم ومصلحة البلد من سبيل؟
أرجو ذلك، وأسأل الله أن يرفع عنا البلاء والوباء. والله من وراء القصد.