طوى الجزيرة حتى جاءني خبر** فزعت فيه بآمالي إلى الكذب
قبل ما يربو قليلا على عقد من الزمن التقيت الصديق العزيز والشاب المثابر أحمد ولد سيدي في مكاتب وكالة الأخبار في نواكشوط.
كان أحمد حسنة من حسنات الصديق سيدي أحمد ولد محمد باب الكثيرة على الوكالة؛ فهو من جاء به إليها، وكنت أنظر إليه بإعجاب وهو منكب على عمل ينجزه أو خبر يقرؤه، وقلما يند منه استفسار مصحوب بابتسامة؛ وكثيرا ما يستخدم الألقاب لمن هم أكبر سنا منه.
لا تغيب عن ذهني كلماته؛ الأستاذ الحافظ الشيخ ديدي.. وحين أعلق بقسوة على بعض الأخطاء يبتسم بأدب، ويثني خيرا..
كان دائم التواصل معي طيلة سنوات افتراقنا، وقل أن أزور البلد إلا جمعتني به صدفة حسنة. وكان دائما كما هو حافظا للألقاب محترما لسني العمر بيننا.. رغم أني لم أطلب ذلك ولم أسع إليه.
كان يستلذ بعض التعبيرات التي أطلقها، ويعيد تكرارها، وكان يسرني كلما رأيته أن علاقتي بشاب حيوي مثله لم تنقطع.. وكنت أتمنى أن أجد وقتا أو فرصة لخدمته.
كان الراحل قنوعا إلى درجة إخفاء حاجاته عن الناس. وقد أكسبته هذه القناعة عصامية جعلته يحرص على تطوير الأداء في المهنة، وأن ينغمس في تحصيل مهارات تمكنه من مراسلة صحف ومواقع في الخارج
لفتني إليه أول مرة صمته غير المعهود في جيله من الشباب، وابتعاده عن نزق التعليقات الساخرة على كل الأحداث. كأن نمطا مختلفا من التربية الأسرية صاغه بتلك اللطافة وذلك الصمت، وذلك التفاني وتلك الهمة. وقد لفتتني أكثر سرعة تطور أدائه؛ فكان يسلم الخبر أيام التدريب كاملا، جاهزا للنشر.
كنت أنكت له على تصرفات رئيس التحرير سيدي أحمد وكان يضحك بأدب، ويقول كلمات لا يكملها، وكأنه يريد أن يسايرني من دون أن ينزل رئيس التحرير منزلة الصاحب المجايل، كما هو حالي مع سيدي أحمد!.
لم أصدق خبر نعيه الذي رأيته ساعات بعد نشره. تمنيت أن يكون تشابها في الأسماء، ولكني بعد قراءة الخبر مرة أخرى عرفت أن الفاجعة حلت. رحمك الله يا أحمد. لقد خرجت من هذه الدنيا خروجا سريعا خفيف الوطء، مغذ السير إلى ما قدمت. وقد عشت فيها خفيف الظل، مقلا، ومتقللا.
رحمك الله ولطف بذويك؛ فقد أحزن مصابك البعيدين عنك، فما ذا سيكون وقعه على الأقربين؟ رحمك الله وأبدلك شباب بالفردوس الأعلى من الجنة وخلفك في ذويك بخير.
إلى أخي سيدي أحمد أدرك أن مصابك بالصديق العزيز أحمد لن يكون كمصاب الآخرين؛ فقد كان لك أخا وزميلا، وتلميذا، وسندا في الملمات؛ فاصبر واحتسبه عند ربك فأجرك فيه خير منه لك، وما عند الله خير له منك ومما عندك. ولا تجزعن لصبية تركهم خلفه؛ فمن أخذه أرحم بهم منك ومنه، واستعن بالله ولا تحزن؛ فمروءتك في رعاية من بقوا بعده من شيم الوفاء والإخلاص فيك. أعانك الله.