ما زلنا منذ غادرنا المرحوم محمد المصطفى بدر الدين إلى الجزائر في رحلته العلاجية بين الخوف والرجاء ولولا المجموعة التي أنشأها الأخ الفاضل مأموني مختار على الواتساب لمتابعة أخباره لكان خوفنا أقوى من رجائنا فقد كانت النشرة التي يوافينا بها يوميا تقوي أملنا وتطمئننا على تحسن صحة المرحوم حتى رجونا أن نلتقى به قريبا ونكرِّم الاخ الكريم ماموني على ماقام به من جهد في المتابعة وموافاتنا بما يبعث على الطمأنينة حتى طلع علينا فجر السابع من اكتوبر بوفاة المرحوم فكاد سواد الحزن يحجب ذلك الفجر ويحجب شمس ذلك اليوم الحزين
"نُعيتَ لنا والشمسُ فوق رؤوسنا*
فكاد سواد الحزن يعجبها عنا"
لعل ذلك اللقاء وذلك التكريم اللذين رجوناهما في الدنيا يتحققان في الآخرة في دار الخلد مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين .
رحمك الله أخي الكبير فقد جمعت من جميل الصفات ما يندر اجتماعه في شخص واحد
فقد أنفقت حياتك منذ شبابك في خدمة وطنك وشعبك ووقفت إلى جانب المستضعفين والمظلومين والمحرومين والمهمشين وصمدت في وجه أنظمة الاستبداد والتبعية لدول الاستعمار والاستكبار ما يربو على نصف قرن ثابتا دون تزحزح واقفا دون انحناء حتى أصبحت رمزا للوقوف في وجه الاستبداد منذ نشأة الدولة إلى آخر يوم من حياتك ولم تقتصر في ذلك على بلدك بل جاوزته إلى الامة والإنسانية .
وقد كانت مداخلاتك في البرلمان مدوية مزلزلة تصدع فيها بالحق وتكشف الباطل بالحجة والبيان وتهذيب في القول دون ابتذال ويشهد لك الجميع بذلك.
وأما تواضعك وإحسانك على الناس وخدمتهم والسعي في حوائجهم والوقوف إلى جانبهم وبذل المال والجاه لهم فسجية وأذكر أنك شفعت عندي غير مرة في شأن إمام أو بناء مسجد لقرية نائية أو نحو ذلك أيام كنتُ في إدارة الشؤون الإسلامية.
وقد قال -صلى الله عليه وسلم - (إن من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر ..) وقال: (اشفعوا تؤجروا ..) وقال: (من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسّر على معسر يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ماكان العبد في عون أخيه).
وأما صبرك ولين جانبك وأدبك وشفقتك حتى لاتُغضب أحدا ولا تجرح شعوره فشيء نشأت عليه منذ طفولتك فكنت برا بالكبير رحيما بالصغير قائما بحق الأخوّة والصداقة ثابت الود وافي العهد حسن الخلق.
وقد أخبر -صلى الله عليه وسلم - أنه كفيل ببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه.
وما قيام الدولة برفعك للعلاج وإعادتك للطن على نفقتها بأمر من فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني في وقت استثنائي وما الهبة الإعلامية بنشر أخبارك والشعبية بالسؤال عنك والدعاء لك إلا اعتراف بذلك ووفاء لك جزاهم الله جميعا أحسن الجزاء
وإني لأرجو الله تعالى أن يغفر لك بذلك كله ويرحمك ويؤنسك ويثبتك بالقول الثابت ويلحقك بالصالحين ويرفع درجتك في المهديين ويخلفك في عقبك في الغابرين ويُبيِّض وجهك يوم تبيضُّ وجوه وتسودُّ وجوه.
وإن من يعزِّي فيك اليوم يعزِّي هذه الصفات الحميدة والاخلاق الكريمة قبل أن يعزي الأهل والوطن والشعب كله
"فما كان قيسٌ هلْكُه هلْكَ واحد*
ولكنه بنيان قوم تهدَّما"
تعزية خالصة للأهل جميعا : للأبناء الفضلاء والبنات الفضليات والأخت الفضلى والأهل الفضَّل والأخ الفاضل الوفي مأموني مختار والأهل في لبراكنه والترارزه والأصدقاء والأحبة والشعب والوطن.
(لله ما أخذ وله ما أبقى وكل شيء عنده بأ جل مسمى فلتصبروا ولتحتسبوا)
( إنما يوفَّى الصابرون أجرهم بغير حساب) (كل من عليها فان) (كل نفس ذائقة الموت)
"حكم المنية في البرية جارِ*
ماهذه الدنيا بدار قرار"
إنَّا لله وإنا إليه راجعون
سيدي عبد القادر اطفيل