أم الجوائح..رحيل الكبار!/ محمد المختار ولد الفقيه

يرحل الكبار في صمت! يغادروننا دون إتاحة فرصة لقاء أخير! دون مراسم وداع! ليس العيب في انسحابهم من عالمنا دون ضجيج.. دون إثارة زوابع، إنما العيب في تفريطنا، في عقوقنا، في انشغالنا بالرخيص والزهيد والزائل من تفاهات حياة نحسبها أبدية، وما هي، في الحقيقة، سوى آجال مضروبة ويطوى وجودنا كطي السجل للكتاب!!

قدرنا، إذن، أن نبكي راحلينا الكبار واحدا تلو الأخر.. قدرنا أن نؤبنهم.. أن "نكرمهم" بعدما فرطنا في معدنهم النادر وهم بين ظهرانينا يضحون ويكابدون، و يسعون لما فيه خيرنا!

تسَّاقطت أوراق الكبار واحدة تلو الأخرى! إنها جائحة رحيل الرموز من كل مشرب: علماء، رجال قلم، مشاعل فكر، وأساطين أدب وفن! بل لك أن تقول إنها أم الجوائح! أفلم يقل الشاعر:

لعمرك ما الرَّزيةُ فقد مالٍ ولا فرسٌ يموت ولا بعيرُ!
ولكنَّ الرزيةَ فقد حُرِّ يموتُ بموته خلقٌ كثيرُ!!

لقد نعى الناعي صباح أمس الجمعة رجل الفكر والسياسة والاقتصاد: أحمد بن سيدي محمد بن الوافي!

رحل أحمد الوافي في صمت لم نشيعه ولم نودعه! بل لم نأخذ علما برحيله إلا بعد أن وري الثرى! لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!
(كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام) ولا نقول إلا ما يرضيك ربنا وخالقنا؛ فقد كتبت الموت على كل نفس! سبحانك!

تربطني بالراحل الكبير أكثر من وشيجة: رحم موصول كابرا عن كابر، ومودة راسخة متوارثة، وعشرة عمل فكري واقتصادي ليس هذا محل تناولها.
نهلت من معين تجاربه وشهدت مطارحاته الفكرية، وخبرت ثبات نهجه وسلامة صدره، وطموحه في أن يكون لهذا البلد شأن.

سافرنا معا، وعملنا سويا في عدة ملفات، ورسمنا خططا ومشاريع طموحة كلها خير، ثم تفرقت بنا السبل بعد ما ابتليت بالقضاء.

رحم الله أحمد الوافي وتجاوز عنه وأحسن إليه وألهم أسرته وأصدقاءه ومعارفه جميل الصبر والاحتساب، وإنا لله وإنا إليه راجعون. وصلى الله وسلم على البشير النذير الذي لا مصيبة بعده.