على هامش بيان الثلاثة الذين خلفوا / محمد محمود ولد عبد الله

"قال سنشد عضدك بأخيك".. تلكم هي فطرة الله التي فطر الناس عليها، وسنته في خلقه، أن يكون الأخ ردءا للأخ وعضدا وسندا.
لكن التاريخ سجل على مر حقبه، حالات شذوذ عن تلك القاعدة، تحول فيها الإخوة من أشقاء إلى ألداء، منذ حقبة إخوة يوسف إلى يومنا هذا.
لست أدري كيف طافت بذاكرتي حالات التعاضد بين الإخوة، وحالات العداوة عبر التاريخ، وأنا أقرأ بيان الثلاثة الذين وصفهم بعض القوم تضخيما وتسيوفا وربما تدليسا ـ سامحه الله ـ بالقادة السياسيين، ولست أدري ولسوف أخال أدري، من أي مشكاة أخرج لهم هذا الوصف، وبأي سلطان منحهم مرتبة القيادة.
والحقيقة المؤلمة أن بيان "القادة" الثلاثة لا يعدوا كونه انعكاس في غالبه الأعم لحالة الشذوذ عن قاعدة معاضدة الأخ للأخ، وعداوته لأي سبب كان، لكن الغريب أن يقدم من يحسبون أنفسهم ـ والله حسيبهم ـ من كهنة التنظير السياسي المبرزين، ويخيل إليهم أنهم أن تخميناتهم طرح سياسي ناضج إن لم يكن راشدا، وما هو برشيد.. أن يقدموا على لف الحبة في القبة، ظانين استغفالا للناس واستخفافا بهم، أنهم يخفون حقيقة ينضح بها بيانهم وتصيح بها سطورهم.
فبمنطق ظاهر بيان الثلاثة والثلاثة فقط، فإن نظام الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، لا يستجيب لمطالبهم الثلاثة (بمعدل بمطلب لكل واحد منهم) وهي وجود سلطة قوية ومنظمة، ومشاركة فعالة للمجتمع بقواه الحية، فضلا عن ثالثة الأثافي وهي انتخابات لا تأثير للدولة فيها،
وهنا قد يسعى البعض ـ محقا ـ للرد على تقول من لم يجدوا رابعهم، باسطا ذراعيه بوصيد الخيلاء السياسي والبهت في القول، ليشاطرهم تنظيرهم وتبخيسهم، وسيكون من السهل دحض حجتهم وهتك بنياهم من القواعد، لكن الأمر لا يحتاج كبير عناء ولا عميق خوض في "بيان القوم"، فذنب هذا النظام وجريرته التي لا تغتفر عندهم مهما فعل، هي أن منهم من لو تمنى على الله اليوم، لتمنى أن يكل الذئب يوسف، وأن لا يخرج أبدا من غيابات الجب، وأن يكون أخوه سارق العير فعلا لا تدبيرا.
أما التنظير والتخمين والتكهن والافتراضات التي ينضح بها البيان، ورهن ضمير الشعب بين المولاة والمعارضة، التي يتنبأ الثلاثة ضمنيا بأنهم قادة تحولها الجيلي الذي أغفلته، والحديث عن خيبات الأمل وأن الإحباطات السياسية لم تزل تتوالى وتفعل أفاعيلها برجال الدولة والنخب والشباب وتبعدهم عن الشأن العام، فتلك مجرد أستار شفافة لحجب دم كاذب على قميص يوسف الذي خرج من جب خصومتهم الأسرية، إلى الوزارة والنفوذ.