رمضان فى الداخل : مساجد معطلة ومكافحون من أجل البقاء (*)

لايشكل شهر رمضان المبارك بالنسبة للآلاف من الأسر  داخل العاصمة الموريتانية نواكشوط وضواحيها أكثر من محطة اختبار إلزامية، وفرصة لتغيير نمط الغذاء والعمل، وأخذ قسط من الراحة خلال أيام الشهر الفضيل، وحضور الطقوس الرمضانية والأنشطة الثقافية الليلية، والاستزادة من طلب العلم، وحضور جلسات الذكر ، وتبادل الزيارات الليلية بين الأقارب والأصدقاء.

 


 

بينما تبدو الصورة جد مغايرة فى العديد من كبريات المدن داخل البلاد، ناهيك عن مشقة الصوم المضاعفة فى الريف والقرى الواقعة تحت خط الفقر، بفعل أجواء الحرارة المرتفعة، وانعدام أبجديات الحياة، ومكافحة أرباب الأسر الدائمة من أجل تأمين قوت الصغار ، وهو ما حول الشهر الكريم إلى فرصة للتدرب على التعامل مع قسوة المناخ وارتفاع درجات الحرارة والعطش، واستحضار قيمة الموجود من المياه والغذاء فى الأوقات العادية.

 

 

تبلغ درجات الحرارة خلال شهر رمضان أعلى معدلاتها فى المناطق الداخلية (40-45 درجة مئوية) وتصاحبها فى العديد من الأوقات رياح شديدة فى الليل والنهار ( أريفى) ، وتكاد المياه الباردة تكون منقرضة من وجبات الإفطار بفعل انقطاع الكهرباء المتكرر فى المدن الرئيسية ( كيفه- لعيون- تمبدغه- النعمة- باسكنو- تجكجه –جكني - ولاته )، وغياب الثلاجات المشغلة بالطاقة الشمسية لأسعارها المرتفعة (500 ألف أوقية)، وتدنى مستوى الدخل لدى السكان، وغياب أي برامج حكومية تمكن القرى من تأمين نقاط لبيع المياه الباردة والخضار واللحوم الحمراء أو اللحوم البيضاء !.

 

 

 

تبلغ قطعة الثلج الواحدة (أكلاص)  من النوع المتوسط  250 أوقية فى المجالس الريفية (أم الحياظ .. أطويل .. أنولل- تيمزين- حاسى أمهادي)، وتبلغ فى بعض المناطق 300 أوقية (بوسطيله وضواحيها، بفعل ارتفاع الطلب عليها وقلة المعروض.

 

 

 

لا توجد جلسات علمية بالمساجد على قلة الموجود منها  ، بفعل عزوف الدعاة والفقهاء والعلماء عن التوجه للداخل فى شهر الصيام، والإنهاك الذى يعانى منه أهل المدن والقرى المكافحين من أجل تأمين القوت وهم صيام خلال أسابيع الحر الثقيلة.

 

وتقام صلاة التراويح بشكل دائم فى المساجد الكبيرة بالمدن الرئيسية خلال شهر رمضان المبارك ، والقرى التى وصلتها طلائع معهد ورش لتحفيظ القرآن، بينما يخلد آخرون للنوم قبل العاشرة، بفعل التعب والإرهاق، واستعدادا ليوم آخر، فيه تعبث الشمس بأجساد مستقبليها، وتقسوا فيه الرياح الدائمة على الصائم وغير الصائم.

 

 

يضطر رعاة الماشية إلى قطع الصيام فى بعض الأيام بفعل الخوف من الهلاك لشدة العطش، وتزداد الأمور تعقيدا خلال السنوات التى يجتمع فيه الصوم والجفاف، وهو ما دفع ببعض الفقهاء إلى إصدار فتاوى تجيز الفطر للرعاة ومنمي الماشية إذا غادروا الربوع طلبا لمراعى فى مناطق نائية، وكانت المنطقة من المناطق التى لاتوجد فيها الأشجار.

 

 

لاتتوفر اللحوم الحمراء بشكل مستمر خارج المدن الرئيسية، ويعجز بعض الصيام فى المدن الكبيرة عن توفيرها، لذا يعتمد الصيام فى الغالب على اللحوم المجففة (التيشطار) أو "الفصوليا" أو تجهيز وجبة واحدة لغذاء الأطفال وإفطار الكبار، وتارة تكون من الأرز والفصوليا أو الخبز والفصوليا (الكسرة وآدلكان) ، بينما بات ت الألبان المجففة ملاذ الصيام أوقات الإفطار ( سليا – سفتي)، وتارة يلجأ البعض إلى " تقيه" للشراب وقت الإفطار، وأخذ بعض الفول السوداني مع الشاي، كوجبة متداولة فى العديد من المناطق الداخلية، قبل الشروع فى المهام الأخرى ( علف الماشية وتفقد أحوالها والذهاب إلى صلاة التراويح أو إلى الآبار لجلب المياه فى الأوقات الباردة.

 

زهرة شنقيط