"نحن والجزائر"، تحت هذا العنوان تحدث الرئيس الاول للدولة الموريتانية، السيد المختار ولد داداه خلال فصل تام من مذكراته، عن العلاقات الراسخة بين موريتانيا والجزائر، ومجالات التعاون الواسعة بين الدوليتين.
فقد تحدث الزعيم الراحل عن مواكبة الجزائر لموريتانيا في مراحل مهمة من تاريخها الاقتصادي، كتأميم "ميفيرما" وإنشاء العملة الوطنية، بالإضافة إلى تكوين الأطر ودعم حضور موريتانيا في المنظمات الإقليمية والدولية.
ورغم الاضطرابات المتكررة على المستوى الإقليمي، فقد حافظت موريتانيا والجزائر على استمرار وتعزيز علاقاتهما الثنائية على مختلف الأصعدة، بما في ذلك التعاون العسكري والأمني والاقتصادي، فضلا عن التبادل الثقافي والتكوين المعرفي.
مرحلة جديدة من تعزيز التعاون
خلال السنوات الأخيرة شهدت العلاقات الموريتانية الجزائرية مرحلة جديدة من الحركية والنشاط، تمثل في إطلاق مشاريع استراتيجية وإنشاء لجان مشتركة فضلا عن تبادل الزيارات على المستوى الرئاسي، لتأكيد الجدية في إطلاق مرحلة جديدة من التعاون.
وقد تجسد هذا التوجه جليا خلال الزيارة التي أداها فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني للجزائر، نهاية شهر ديسمبر من العام الماضي، حيث اتفق الرئيسان على العمل يدا بيد من أجل رفع التحديات التي تواجه البلدين توسيع آفاق التعاون الإستراتيجي خلال السنوات القادمة.
وقد سبق هذه الزيارة الرئاسية، اجتماع اللجنة الحدودية المشتركة بين البلدين للمرة الأولى، بالإضافة لتبادل الزيارات على المستوى الوزاري وتوقيع عدة اتفاقيات ومذكرات للتفاهم في مجالات مختلفة، من بينها التجارة والتعليم العالي والنقل البري والبحري والصحة والتكوين والمؤسسات الصغيرة.
مشاريع استراتيجية
هذه المرحلة الجديدة من تعزيز التعاون بين البلدين، تميزت حتى الآن، بإطلاق عدة مشاريع استراتيجية كانت عالقة منذ عدة عقود، وذلك بفضل الإرادة الصادقة لقائدي البلدين في الدفع بالمصالح المشتركة إلى آفاق جديدة، تمكن من تحقيق مصالح الشعبين.
ومن بين أهم هذه المشاريع، إطلاق مشروع الطريق الاستراتيجي البري الرابط بين مدينة زويرات الموريتانية وتيندوف الجزائرية، على طول 775 كلم، وهو مشروع أساسي لفك العزلة وتنمية المناطق الحدودية، بالإضافة إلى دعم الاستقرار والأمن في المنطقة وتطوير التبادل التجاري بين البلدين.
ويعول البلدان على إنجاز هذا المشروع من أجل رفع التبادل التجاري إلى عشرات مليارات الدولارات سنويا، وضمان الأمن الغذائي وضمان استقرار أسعار المواد الغذائية، بالإضافة إلى ربط شبكات النقل البري في شبه المنطقة. كما يمكن أن يكون رافعة قوية للربط البيني الكهربائي عبر إنشاء خطوط الجهد العالي على طول هذا الطريق.
وفي خضم الديناميكية الجديدة للتعاون بين البلدين، تم لأول مرة إطلاق خط للنقل البحري يربط بين البلدين، وذلك من أجل تعزيز التبادل التجاري، من خلال نقل الواردات الجزائرية إلى الأسواق الموريتانية وغيرها من الأسواق في الدول الغرب إفريقية.
كما يمكن انشاء خط بحري لنقل خامات الحديد من موريتانيا إلى الجزائر، في إطار الاتفاق الموقع مؤخرا بين شركة "سنيم" الموريتانية وشركة "توسيالي" التركية؛ لتزويد فرع الشركة، الواقع قرب مدينة وهران بالجزائر.
تعاون استراتيجي ومثمر في مجال الطاقة والمعادن
بداية شهر يونيو من العام الجاري، استقبلت نواكشوط وفدا جزائريا رفيع المستوى بقيادة السيد محمد عرقاب وزير الطاقة والمناجم وبعضوية الرؤساء المدراء لكل من سوناطراك ونفطال وسونلغاز والمكتب الجزائري للبحوث الجيولوجية وشركة الأسمدة وشركة الحديد وهي مجموعات اقتصادية قوية وذلك بهدف وضع أسس صلبة لإرساء تعاون جديد في قطاع الطاقة والمعادن بين البلدين.
وأسفرت الاجتماعات رفيعة المستوى عن توقيع مذكرات تفاهم بين البلدين في مجالات الطاقة والمعادن، وخصوصا مجالات المحروقات وتنمية القدرات المهنية وتكوين الموظفين وإنشاء وتسيير البنى التحتية للمحروقات والكهرباء، بالإضافة إلى تعزيز التعاون في تثمين وتطوير مقدرات البلدين من المعادن.
وشملت هذه المباحثات أيضا عدة مشاريع استراتيجية في قطاعي الطاقة والمعادن في البلدين، مثل سبل التعاون المشترك في مجال تطوير واستغلال مشروع "غار جبيلات" في الجنوب الجزائري، خاصة أن الجزائر أعلنت بعد ذلك بأقل من شهرين عن البدء في استغلاله واعلنت بالمناسبة عن الرفع من طاقات انتاج الكهرباء بالمنطقة مما يسهل أكثر فرص العمل المشترك والربط الكهربائي عبر الحدود فضلا عن إمكانيات التعاون في مشاريع التنقيب عن النفط والغاز في عدة مناطق من موريتانيا.
آفاق واعدة
وبناء على كل هذه التطورات فقد أخذت العلاقات الموريتانية الجزائرية منحى جديدا يتسم بالانفتاح والآفاق الواعدة على كل الأصعدة، خصوصا التبادل التجاري وتعزيز التعاون في مجالات الطاقة والمعادن وتطوير البنى التحتية.
وستكون أعمال الدورة التاسعة عشرة للجنة الكبرى المشتركة الموريتانية الجزائرية، التي ستحتضنها نواكشوط ابتداء من يوم الإثنين 12 سبتمبر 2022، ترجمة فعلية لهذا التوجه؛ حيث من المتوقع أن تشهد توقيع العديد من الاتفاقيات بين الطرفين، والدخول فعليا في تنفيذ مضامين مذكرات التفاهم الموقعة سلفا بين البلدين.
ومن أجل التأكيد على مسار تعزيز التعاون بين البلدين، فإن أشغال هذه الدورة ستتم تحت إشراف رئيسي الوزراء في البلدين، وبمشاركة واسعة لمختلف القطاعات الوزارية ذات الصلة واتحادي رجال الأعمال في البلدين، إضافة إلى الهيئات الدبلوماسية والفاعلين الثقافية اكلي البلدين.
أحمد فال محمدن