شكلت نتائج الأيام التشاورية الموسعة بقصر المؤتمرات بنواكشوط أبرز تحول في تعاطي الأغلبية الداعمة للرئيس محمد ولد عبد العزيز مع المطالب التي ظلت المعارضة الموريتانية تنادى بها خلال الفترة الأخيرة، مع ارسال رسائل طمأنة بشأن تعديل الدستور ومأموريات الرئيس، وشكل النظام السياسي القائم بموريتانيا.
الأغلبية التي حولت موعد السابع من سبتمبر 2015 من حوار غير متفق علي تاريخه، إلى مشاورات داخلية - مع بعض الرتوش الخارجية - قد تفضي إلى حوار موسع مع مجمل الفرقاء في الساحة. خرجت لأول مرة بوثيقة مكتوبة تتضمن أبرز النقاط التي طالبت بها المعارضة الموريتانية خلال الفترة الأخيرة، وتعهد رسمي من الحكومة بتنفيذها عبر بيان مكتوب أو خطاب رسمي من جهة الإشراف (الوزارة الأولى)،وهو ماقد يمهد لاستئناف التفاوض مع أطراف في المنتدى ظلت تنادى بالحوار، وتضغط من أجل اقرار أبرز بنوده مع "توقيع محضر مشترك" يؤكد التزام الحكومة بالنقاط المذكورة فيه، وعزمها فتح كل الملفات داخل الحوار الموسع الذي دعت له الحكومة قبل خمسة أشهر عبر اتصالات مباشرة مع أبرز زعماء الأحزاب السياسية المشكلة لمنتدي الديمقراطية والوحدة.
أبرز مواضيع الحوار المرتقب
وقد سعت الأغلبية عبر وثيقتها الأخيرة إلي اقرار سلسلة من النقاط باعتبارها تشكل أبرز البنود التي يجب أن تناقش داخل حوار أكتوبر – دون تحديد تاريخ ثابت للحوار-ومن أبرزها :
(1)
آليات التناوب السلمى على السلطة : وهى أبرز مطالب المعارضة الموريتانية الحالمة بحوار سياسي يكرس التناوب السلمى علي السلطة في بلد عانى من ويلات الانقلابات العسكرية. تناوب قد تفتح آلياته المرتقبة المجال أمام بعض رموز المعارضة من أجل خوض آخر فرص المنافسة المتاحة على كرسي الرئاسة بعد عقود من التضحية والنضال، مالم تحدث تعديلات دستورية لتحريرهم من قيود "السن القانونية" التي باتت أبرز هاجس يلاحق المعنيين.
ولعل جدولة الأيام التشاورية لنقاش "المال السياسي" والمنظومة الانتخابية،الآلية،ضمانات الشفافية ومصداقية المسار الانتخابي، إشارة قد تتلقفها الأوساط الساعية لتعويض الغياب الاضطراري عن المجالس المحلية والنيابية والسباق الرئاسي (2013-2014) من أجل المشاركة في سن قوانين قد تنصفها من غول طالما التهم جياع الجماهير والنخب، مع كل تنافس تفتح فيه الفرصة لرجال الأعمال من أجل تغيير قناعة المصوتين بما اكتسبوه من صفقات الدولة أو ورثوه من مال سياسي يحسنون استخدامه أيام الصراع الإنتخابى، ويتوارون خلفه كلما عنت حاجة لمواطن ضعيف، أو كانت معطيات الواقع الصعب للبلد تشى بالحاجة إلى استثمار بعض في مشاريع تنفع الناس وتمكث في الأرض.
(2)
دولة القانون واصلاح العدالة : ولعل النقطة الثانية الأهم هي اقرار نقاش دولة القانون والمحاكمة العادلة وإصلاح القطاع برمته داخل الأيام التشاورية، وهي ظلت المعارضة تناديها بها، مع اقرار الحكومة بقصور المنظومة العدلية بموريتانيا، وحاجتها للتحديث، وتفعيل القوانين المعمول بها.
وقد سكتت الأيام التشاورية عن ملف المعتقلين الحقوقيين – رغم مطالبة البعض بإطلاق سراحهم خلال جلسات التشاور وداخل أروقة القصر- لكنها وضعت عناوين بارزة يمكن أن يركن إليها المشاركون في الحوار من أجل انهاء الملف المثار حاليا أمام المحكمة العليا، والتأسيس لقضاء لايأتمر بأمر السلطة التنفيذية ولا يخضع لابتزاز المعارضة، وأهم تلك العناوين : "تعزيز الديمقراطية وحماية وترقية الحريات الفردية والجماعية"، و"ضمانات المحاكمة العادلة".
وبدت الأغلبية في مخرجات حوارها الأخير أقرب إلي تنفيذ الورقة الخاصة بحياد الإدارة وأجهزة الأمن بعد فترة طويلة من المناكفة بين القوي السياسية، حيث طالبت الوثيقة بشكل صريح بادماج بند " تفعيل القوانين وتجسيدها على أرض الواقع وخاصة تلك المتعلقة بحياد الإدارة والمؤسسة الأمنية وبقائهما على مسافة واحدة من كل الفرقاء السياسيين"، وهو نفس الحال بالنسبة لملف وسائل الإعلام العمومية التي ظلت مثار جدل بين التشكيلات السياسية والقائمين على المؤسسات الإعلامية العمومية، رغم توفر بدائل اعلامية أخري بعد اقرار قانون الإعلام السمعي البصري الأخير.
فقد نصت وثيقة الأيام التشاورية - التي تعهد الوزير الأول بتنفيذها- على ضرورة "تمكين كل الفرقاء السياسيين من الولوج إلى وسائل الإعلام العمومية بشكل عادل ومراعاة قوانين التعارض وحسن تطبيقه".
ولعل أبرز الإشكالات التربوية ستكون حاضرة داخل أروقة النقاش، رغم صعوبة اقرار جديد في بعض نقاطها بحكم حساسية الواقع الاجتماعي المعقد داخل البلد، وحاجة البعض الآخر للمراجعة والنقاش والترقية من أجل تعزيز الهوية والتضامن الداخلي.
ومن أبرز تلك النقاط الحساسة والتي تم دمجها في وثيقة الحوار هي:
(1) اللغة
(2) توزيع الثروة
(3) الإصلاح العقاري
(4) التمييز الإيجابي
(5) الصناعة التقليدية
(6) مكانة المرأة
(7) الأمن ومكافحة الإرهاب
(8) تجديد الطبقة السياسية
(9) شعارات الدولة ورموزها