كتاب يهاجم أحد علماء البلد ويحذر من تقويضه لأمن السعودية (خاص)

هل بات علماء مجتمع السلم عنوان مواجهة بين السعودية والإمارات؟

حذر كتاب سعودي صادر هذه الأيام من دور متنامي للعلامة الموريتاني الفاضل الشيخ عبد الله ولد بيه قد يقوض أمن بعض الخليج بالتعاون مع بعض رموز التصوف العالمي من أمثال العالم المصري "أحمد الطيب" وبتمويل إماراتي سخي.

 

الكتاب الذي حمل عنوان " شبكة التصوف السياسي في أبو ظبي وخطرها على أمن المملكة" خصص فصل كامل للعلامة عبد الله ولد بي، متناولا سيرته الذاتية وأبرز محطات حياته.

 

وهذا ماكتبه القائمون علي الكتاب حول العلامة عبد الله ولد بيه في الفصل السادس من الكتاب  تحت عنوان " عبد الله بن بيه: الفقيه المتصوف":

 

ولد الشيخ عبد الله بن بيّه سنة 1935 في تمبدغة جنوب موريتانيا، وقد دفعه والده القاضي المحفوظ بين بيه لدراسة العلوم الشرعية واللغة العربية وعلوم القرآن في مرحلة مبكرة من حياته، ثم أرسله بعد ذلك في بعثة إلى تونس لتكوين القضاة.
 

وتتقاطع سيرة ابن بيه في كثير من ملامحها مع شريكه في رئاسة مجلس «حكماء المسلمين » الشيخ أحمد الطيب، ومن ذلك: طموح رجل الدين في خوض متاهات السياسة، إذ يعود السر في صعود نجم ابن بيه في انخراطه بالسلك السياسي في نواكشوط إثر انضمامه إلى حزب الشعب الموريتاني، حيث أصبح أميناً دائماً للحزب، وحظي بعضوية مكتبه السياسي ولجنته الدائمة.
 

ولأن حزب الشعب (مثل نظيره الحزب الوطني في مصر) هو الحزب الوحيد الحاكم في البلاد، فقد تدرج ابن بيه في المناصب الدينية باعتباره أحد كوادر الحزب؛ فعين مفوضاً سامياً للشؤون الدينية برئاسة الجمهورية، ثم وزيرًا للأوقاف، فوزيرًا للتعليم الأساسي والشؤون الدينية، ووزيرًا للعدل والتشريع وحافظاً للخواتم، ثم وزيرًا للمصادر البشرية -برتبة نائب الرئيس- ثم وزيرًا للتوجيه الوطني والمنظمات الحزبية.
 

لكن حياة "ابن بيه" سارت باتجاه آخر عقب مرافقته الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود في رحلته إلى موريتانيا عام 1972، حيث لفت انتباه المسؤولين السعوديين أثناء تلك الزيارة؛ ونظرًا لما حظي به الشناقطة من مكانة في المملكة فقد شد ابن بيه الرحال إلى السعودية وكُلّف هنالك بمهام رسمية لعدد من المسؤولين منهم الملك فيصل ثم الملك خالد والملك فهد عندما كان ولياً للعهد، وعين بعد ذلك أستاذاً في جامعة الملك عبد العزيز بجدة.
 

في هذه الأثناء حافظ ابن بيه على خط وسط في علاقاته بالمؤسسات الدينية على المستوى الإقليمي مما أتاح له فرصة الانضمام إلى هيئات دينية متعددة، منها على سبيل المثال لا الحصر: الهيئة العامة للإعجاز العلمي في القرآن والسنة، والمجلس الأعلى للمساجد، والهيئة الخيرية العالمية بالكويت، ومؤتمر العالم الإسلامي في كراتشي، والمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، ومجمع الفقه الإسلامي.
 

إلا أن عضوية الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين قد سببت لابن بيه متاعب جمة؛ إذ نقلت بعض المصادر استياءه من: منهج التنسيب العشوائي في عضوية الاتحاد، ونزوع قيادته إلى اتخاذ قرارات ارتجالية، والزج باسمه في بيانات ومواقف سياسية لم يكن له رأي فيها، مما دفعه لتقديم استقالته من الاتحاد في شهر سبتمبر 2013 متعذرًا بظروفه الخاصة وبالدور الذي يحاول القيام به في سبيل الإصلاح والمصالحة، مؤكداً أن عمله: «يقتضي خطاباً لا يتلاءم مع موقعه في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.»
 

وكان من الواضح أن استقالة ابن بيه قد جاءت على خلفية تصعيد الشيخ يوسف القرضاوي ضد النظام العسكري في مصر وبعض دول الخليج الداعمة له، مما استرعى انتباه قادة أبوظبي الذين بادروا إلى دعوة ابن بيه للإقامة بينهم، وسخروا له مساحات شاسعة في وسائل الإعلام، وأسبغوا عليه المناصب الدينية كرئاسة «منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة»، وعضوية المجلس الاستشاري الأعلى لمؤسسة «طابة»، ورئاسة مجلس «حكماء المسلمين » بالشراكة مع أحمد الطيب شيخ الأزهر، وفي هذا الطور الثالث من حياة ابن بيه يمكن ملاحظة تطورين مهمين:
 

أولهما تنامي نزعته الصوفية وسعيه لتكييفها وفق مزاج مستضيفيه الجدد؛ حيث أخذ ابن بيه يدعو إلى إحياء التصوف باعتباره علماً من العلوم الإسلامية و"وسيلة لإحياء لعلوم الدين"، لكن الظهور الإعلامي لابن بيه كان يتنافى مع ذلك التكييف الفقهي ويتوافق مع رغبات إدارة مؤسسة «طابة» الصوفية في تعزيز الجانب الطقوسي، إذ أصبح الشيخ الوقور يظهر كضيف دائم في الموالد والحضرات جالساً على المنصة بجانب الأدوات الموسيقية والفرق الغنائية فيما لا يتناسب مع خلفيته الفقهية وسجله الأكاديمي.
 

ومن أبرز الفعاليات التي ظهر فيها ابن بيه -في طبعته الجديدة- جائزة «البردة » في دورتها الحادية عشر بالمسرح الوطني في أبو ظبي، وعضويته في لجان إحياء الموالد في دولة الإمارات، فضالً عن محاضرته الشهيرة في الملتقى العالمي الثاني لسيدي شيكر بالمغرب، والذي شنع فيه على من لا يرون إحياء مولد النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك بالتزامن مع إصدار فتاوى مثيرة للجدل حول جواز الأكل من الذبيحة التي ذكر اسم مع اسم الله عليها بنية التبرك، وجواز استخدام بعض الآلات الموسيقية في الفنون «الإسلامية»، وما إلى ذلك من اجتهادات أثارت تساؤلات كثيرة من طلابه وزملائه في جامعات المملكة العربية السعودية.
 

أما التحول الثاني في شخصية ابن بيه فيكمن في انبعاث الروح السياسية التي كان قد هجرها منذ فترة طويلة، حيث انخرط ابن بيه في نشاط مجموعة مؤسسات صوفية، أبرزها مؤسسة «طابة » و »منتدى السلم الأهلي » ومجلس «حكماء المسلمين» بالتزامن مع قيام الدولة المضيفة لهذه المؤسسات بشن حملة إعلامية ضد التيارات الدينية المغايرة وخاصة في المملكة العربية السعودية، وفي هذه الأثناء بدأت تثور تساؤلات عدة حول مدى تأثير تلاميذ ابن بيه على شيخهم، وخاصة منهم الذين تقلدوا مناصب استشارية لدى الحكومات الغربية كجهاد هاشم براون )مدير البحوث في مؤسسة طابة( الذي عمل مستشارًا لحكومات ومؤسسات مختلفة بشأن قضايا تتعلق بالإسام والعلاقات الدولية، وحمزة يوسف مدير معهد الزيتونة بكاليفورنيا والذي عمل مستشارًا للبيت الأبيض حول علاقة العالم الإسلامي مع الغرب، وقام يوسف بتنسيق سلسلة زيارات لأستاذه ابن بيه على مستوى رفيع في الولايات المتحدة الأمريكية شملت: كبيرة مساعدي الرئيس الأميركي «كايل سميث» ومستشار الأمن القومي الأمريكي «توم دونيلون »، وممثلون عن مؤسسات ووكالات حكومية رسمية بينهم مندوبا «وكالة المخابرات المركزية» و "وكالة الأمن الوطني"، ومدير العلاقات العامة في البيت الأبيض «جيرمن ويت »، فضاً عن المبعوث الأمير  كي الخاص لدى منظمة المؤتمر الإسلامي «رشاد حسين .»
 

ومن خلال هذه الزيارات أقام ابن بيه علاقات وطيدة مع سياسيين غربيين ومسؤولين أمنيين عادت عليه بالمنفعة في إدارة برامجه بمركز التجديد والترشيد في لندن، كما ساهم انخراطه بأنشطة مؤسسة «طابة » في مد جسور التواصل مع شبكة النقشبندية السياسية التي يتزعمها هشام قباني، وتكوين علاقات مشبوهة مع أقطاب اللوبي الإيراني في واشنطن وعلى رأسهم سيد حسين نصر وسيد حسن قزويني حيث بدأت تظهر صورته إلى جانب صورهم في مؤتمرات وفعاليات جماهيرية في الغرب.
 

وأثارت هذه التطورات تساؤلات ملحة حول مدى إدراك ابن بيه للزج باسمه في معركة المرجعية الدينية ضد المخالفين، أم أن ذلك قد تم بإرادته رغبة منه في العودة إلى جذوره السياسية التي كان قد بدأها في نواكشوط؟
 

وإذا كان ابن بيه قد قدم استقالته من الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين لتعزيز استقلاليته وتفويت الفرصة على من يرغب في أن يزج باسمه في خلافات ذات طابع سيا سي؛ فإن عضويته في المجلس الاستشاري الأعلى المؤسسة طابة قد وضع سمعته الدينية ومصداقيته السياسية على صفيح ساخن خاصة وأنه اشترك في عضوية المجلس مع محمد سعيد رمضان البوطي وعلي جمعة والحبيب عمر بن الحفيظ وعلي الجفري وغيرهم من أقطاب مشروع التصوف السياسي.
 

فهل حقق ابن بيه ما كان يسعى إليه ) عندما استقال من الاتحاد العالمي ( في مجال: «رأب الصدع والدعوة إلى الاصاح والمصالحة «؟ أم أنه وجد نفسه منخرطاً في صراع مرجعي يفرق الأمة ولا يجمع شتاتها؟.
 

للمساعدة في الإجابة على هذا التساؤل تجدر الإشارة إلى أن أول خبر نشره ابن بيه إثر تعيينه رئيساً لمجلس «حكماء المسلمين » بالشراكة مع شيخ الأزهر هو: «رئاسته لوفد مجلس حكماء المسلمين في زيارة للعاصمة الموريتانية نواكشوط للمشاركة في حفل تنصيب الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز 2( » أغسطس 2014(! فهل سيخلع الفقيه عمامته ويعود إلى جذوره السياسية كما فعل شريكه أحمد الطيب عندما ألقى الجبة وانضم إلى صفوف الحزب الوطني في مصر؟
 

أم أن توأم رئاسة مجلس الحكماء قد وجدا ضالتهما في مشروع استقطاب سياسي جديد؟

 

استشهاد أوباما بكلام ابن بيه: ثمرة علاقة حميمة واتصالات لا تنقطع

 

أثار استشهاد الرئيس الأمريكي باراك أوباما بالشيخ عبد الله بن بيه ردود أفعال متباينة، حيث توالت التساؤلات حول اختيار أوباما لرجل الدين الموريتاني المقيم في أبوظبي لتلميعه كرمز للسلام ووقف الحروب وهو يعد لتحالف عسكري جديد في المنطقة.
 

ففي الوقت الذي استنكرت فيه صحيفة نيويورك تايمز استشهاد أوباما بابن بيه الذي "دعم فتوى قتل الجنود الأمريكان في العراق عام "2004 ؛ اعتبر أتباع العالم الموريتانى استشهاد الرئيس الأمريكي بكلمات شيخهم تجسيداً: "لدخول كلام الله تعالى ودعوة الحق جل جلاله للبيت الأبيض الأمريكي وفتح من الفتوحات الإسلامية العظيمة"!.

وفي حالة من التجلي بظل أنوار الشيخ كتب أحد تلاميذه قائلا إن: "العلامة عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه: تعجز الأقلام عن وصفه".
 

وبدورها؛ هللت الصحافة السعودية المقيمة في دبي لهذا الاستشهاد فنشرته في صفحاتها الأولى وأخبارها الرئيسة، معتبرة ابن بيه: «أهم العلماء السنة المعاصرين وأحد رموز الاعتدال والوسطية »، دون أن تكف في الوقت ذاته عن الانتقاص من علماء المملكة ومؤسساتها الدينية، ويبدو أن هذه القنوات قد ألفت بلد الإقامة إلى درجة إنكار بلد المنشأ ونسبتها إليه؛ فقد جاءت تغطيتها للحملة التي دشنها وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف في مواجهة فكر التطرف والغلو باهتة وخافتة إلى درجة أثارت التساؤل والاستهجان.
 

وفي تباين فاقع بين دعوة الشيخ إلى التسامح والانفتاح من جهة، وبين السلوك العدائي لأتباعه من جهة أخرى؛ وصف أحد المريدين منتقدي الشيخ بأنهم: "أقزام من جنس اللئام... سماعون للكذب أكالون للسحت يصرون على الحنث العظيم طوافون بالغدر والخيانة بين الشأن الديني والدنيوي في كل حدب وصوب... "( مما يؤكد حاجة الشيخ للتركيز على تربية أتباعه بعد أن نسيهم في زحمة لقاءاته مع المسؤولين الغربيين للتبشير بالقضاء على خطاب الكراهية والتعصب).
 

وفي ظل تباين الآراء؛ بات من الملح أن يعلق الشيخ على استشهاد أوباما بكلماته كمقدمة لشن حرب شرق أوسطية وصفها مستشاروه بأنها طويلة الأمد، ومن الضروري أن يبين الشيخ إن كانت تلك التوجهات تتوافق مع تصريحه بإعلان: "الحرب على الحرب لتكون النتيجة سلم على سلم ."
 

وبعيداً عن حمات الشحن الديني وحمات التعصب المذهبي البغيض؛ لا بد من التذكير بأن استشهاد أوباما بابن بيه لم يأت من فراغ، بل جاءت هذه اللفتة الحميمة نتيجة علاقة وطيدة وزيارات متعددة جمعت ابن بيه بزعامات البيت الأبيض، حيث فتحت هذه اللقاءات المتتابعة للشيخ الموريتاني مغاليق الإدارة الأمريكية وأصبح ينافس هشام قباني في كسب قلوب المسؤولين الغربيين.
 

وبالإضافة إلى تسويق فلسفة: «إعلان الحرب على الحرب» التي استرعت الرئيس الأمريكي؛ فإن تخريجات ابن بيه الفقهية «التجديدية » تقوم على أساس: «ترجيح السلم على المطالبة بالحق ...)!(»

وحق لأوباما أن يشيد بفقه ابن بيه في سياسته القائمة على بخس حقوق المسلمين.