دبلوماسيتنا بعد سنوات من الارتباك .. هل حانت لحظة المراجعة؟

هل الرئيس قادر بالفعل علي اعادة ترتيب المشهد الدبلوماسي بموريتانيا؟

تمر الدبلوماسية الموريتانية منذ سنوات طويلة بحالة من الارتباك أفقدتها الكثير من رمزية الموقع، وحولتها – في ظل غياب المراجعة- إلى مرفق عمومي شبه مشلول، يؤدي أدوارا غير واضحة، ويتحرك القائمون عليه دون بصيرة أو تخطيط محكم.

 

ومع كل تعيين جديد لأحد وزراء الخارجية تتوهم النخب الموريتانية المشغولة بسمعة البلد المحاصرة بفعل الخصومات الداخلية وبعض المتربصين  بها في الخارج، أن حراكا جديدا قد بدأ ، وأن رأس النظام أعاد النظر في الواقع المأساوي لواجهة البلاد الخارجية.

 

شلل دبلوماسي

 

ولعل أبرز مظاهر الشلل الدبلوماسي هو ارتفاع عدد السفارات الفارغة خارجيا، بفعل تقاعد القائمين عليها، أو عجز النظام عن اتخاذ القرار المناسب في الوقت المنتظر، بفعل الواقع الاقتصادي الصعب أو الارتباك المصاحب للعمل الحكومي أو ضعف الرؤية والتخطيط للمكلفين بالدبلوماسية، وعجزهم في النهاية عن اقناع الرئيس بجدوي تعيين سفير أو تحريك آخر، أو فتح سفارة أو اغلاق أخري، مع ولع متزايد بالأسفار الخارجية والمهام "الدبلوماسية" وانتظام منقطع النظير في استلام الرواتب نهاية كل شهر.

 

ومن أبرز مظاهر الشلل الحالي وجود سفارة شبه فارغة بالمملكة المغربية من دون سفير للسنة الثالثة، رغم اقرار الموازنة العامة لها، ووجود الآلاف من العاطلين عن العمل.

 

كما تعاني تواجه تونس ونيجيريا (أكبر الدول الإفريقية) وواشنطن المصير ذاته في ظل تقاعد القائمين عليها، واقتراب العام الدراسي من الافتتاح دون تعيين سفراء جدد، بينما لاتزال السفارة الموريتانية بأديس بابا شاغرة منذ تعيين سفيرها وزيرا للخارجية، وهو نفس الحال بالنسبة لأنغولا التي لم تعترف بالسفير الذي أرسل إليه، وظل قرار افتتاح السفارة جاري دون تعيين بديل له أو اغلاق السفارة.

 

غياب عن ساحة الفعل الخارجي

 

كما أن بعض الدول الأخرى التي تم تعيين سفراء فيها، باتت خارج دائرة المتابعة الدبلوماسية، حيث تدار الدول الثلاثة المأزومة داخليا من العاصمة نواكشوط (ليبيا- اليمن- وسوريا)، حيث فضل السفراء العودة إلي منازلهم بمقاطعة تفرغ زينه في نواكشوط الغربية ، بدل متابعة الملفات المثارة في الشرق الأوسط وشمال افريقيا من دول مجاورة، كما يفعل كل السفراء الآخرين، ولعل الأخطر هو خروج هذه الدائرة من الاهتمام، وخروج دول أخري منها بعد أن كانت تدار من طرف السفراء ذاتهم وأبرزها "الأردن" التي كانت تدار من سوريا بعد اغلاق السفارة فيها ابان حكم الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، وخروج فلسطين من حسابات الحكومة بعد أن كانت تدار من سوريا، وهو الحال الآن بالنسبة للبنان الشقيق الذي يعتبر ابرز ساحة اليوم تتصارع فيها القوي العالمية.

 

كما أثر غياب السفير في اليمن عن الجوار الإقليمي علي ملفات مشابهة مثل ملف "الصومال" و"ارتيريا" و"جيبوتي" وهي دول كان يمكن للسفير المعتمد فيها أن يمارس منها عمله، بدل العودة للعاصمة نواكشوط مع أول طلقة بصنعاء.

 

سفراء مع وقف التنفيذ

 

كما اتخذت الحكومة عدة خطوات  مضرة بالدبلوماسية واستقلالية القرار، ومنها فتح سفارات دون القدرة علي تعيين سفير كما هو الحال الآن في "أنغولا" و"ابريطانيا" و"إيران"، وتقف أمام البعض عوائق سياسية وأخري مالية، وبعضها بفعل ضعف التقدير.

 

تقزيم للذات أم سوء تقدير !

 

كما تبدو خارطة التمثيل الدبلوماسي ناقصة، ومحكومة بعقليات العقود الأولي للتأسيس، حيث تغيب الدبلوماسية الموريتانية اليوم عن أكبر دولة اسلامية (أندنوسيا) وأكثر الدول الآسيوية نموا (الهند) وقاطرة التحول الإسلامي "ماليزيا" ، وتبدو الحكومة عاجزة عن تحريك قاطرتها الدبلوماسية خارج السياقات التقليدية التي ظلت تدار بها الخارجية، فأم القنبلة النووية بالعالم الإسلامي تدار من "الدوحة" والهند ذات العلاقات التجارية الكبيرة مع موريتانيا خارج اهتمامات الخارجية، ودول شرق آسيا تدار عبر تقارير تبثها الجزيرة والعربية من بعض السفراء الناطقين بالعربية من عواصم خليجية تبعد عنها آلاف الكيلومترات.

 

كما لاتزال دول حيوية ككندا خارج اهتمامات الدبلوماسية الموريتانية منذ اغلاق السفارة بعد تخرج ابن  الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع من كندا قبل عشر سنوات.

 

ولم تستطع الخارجية علي الأقل أن تكون وفية لروح القانون القاضي بتغيير الدبلوماسية بعد أربع سنوات، من أجل تحريك الملفات الخارجية، وضخ دماء جديد في قطاع حيوي، واعطاء روح تستشف منها المتابعة والمراقبة والعمل الإداري المنظم.

 

ولعل الفترة الأكثر ملائمة الآن هي بداية الأسبوع القادم مع الافتتاح المدرسي، وبداية السنة الجديدة، ومع وصول وزير جديد للخارجية ... ...لكن البعض يري أن "ثوابت" الخارجية تستعصي علي التغيير ، و حراك الوزراء محكوم بمدي فهم الرئيس لحاجة القطاع وتحرره في القرارات المهمة.