المعهد العالى للدراسات .. إمكانية الإصلاح ومخاطر الفشل

شكل اعلان المعهد العالى للدراسات والبحوث الإسلامية بموريتانيا بداية 1979 نقطة تحول تاريخية فى منظومة التعليم بموريتانيا باعتباره أول مؤسسة للتعليم العالى داخل البلد، وأول جسر يربط بين الآلاف من خريجى المحاظر والإدارة الموريتانية بعد 19 سنة من الاستقلال عن فرنسا.

 

بدت أحلام النخبة المؤسسة كبيرة، واجتهد القائمون عليه فى تعزيز المنظومة التربوية من خلال اكتتاب علماء أجلاء، وأدباء بارزين، لتدريس الطلاب الجدد، الذين كانوا خيرة النخبة المحظرية الساعية إلى دخول الحياة الجديدة.

 

خرج المعهد العالى للدراسات والبحوث الإسلامية الآلاف من الأساتذة والمعلمين والقضاة والإداريين والوزراء، ثم أصيب بنكسة خلال الفترة الأخيرة، بفعل تحوله من مؤسسة تعليمية هدفها انتقاء المتميزين من المحاظر عبر مسابقة شفافة وصعبة، إلى مجمع للفاشلين والموظفين الفارين من الخدمة وبعض "الملاحة" المنشغلين ببيع الهواتف النقالة.

 

انشغلت مجمل الإدارات المتعاقبة عليه بتحصيل المال والحشد داخل المدرجات بدل الانشغال بتربية النخبة المحالة إليه، وتدريسها أبرز العلوم الإسلامية والعربية، مع فوضوية سمحت له باكتتاب المئات من العمال والأساتذة على حساب الكيف، وبدت مشاغل مديريه محدودة فى الزمان والمكان، مع تصاعد الاحتقان داخل الساحة الطلابية مع جنوح بعض الفاعلين فى صنع القرار لإلغائه أو تحجيمه أو تحويله إلى مؤسسة شكلية.

 

وقد لجأت الإدارات المتعاقبة إلى اكتتاب الأساتذة والعمال على ميزانية التسيير، ليشكل قرار 2009 القاضى بإلغاء 50% من ميزانية التسيير أكبر ضربة يعيشها المعهد فى ظل تراجع الدعم المقدم من الحكومة، وعجزه عن الوفاء بالتزاماته الثابتة، وبات ساحة معركة يومية من أجل المنحة والأجور.

 

وقد تضاعفت الأزمة حينما اقترحت دوائر عليا اغلاق المعهد العالى للدراسات والبحوث الإسلامية، والاكتفاء بجامعة لعيون الإسلامية، وهو القرار الذى كلف الدولة أربعة أشهر من المواجهة مع الطلاب والأساتذة الرافضين للفكرة.

 

وقد أكدت الحكومة على لسان أكثر من متحدث خلال الفترة الماضية تراجعها عن الفكرة، ورفعت ميزانية المعهد، وطالبت الطلاب بتجنيبه مخاطر الصراع العميق، قائلة إن التعليم الإسلامي خط أحمر لدى الرئيس، وإنه ماض فى دعمه وتعزيزه.

 

آفاق النجاح ومخاطر الفشل

 

غير أن الاهتمام بالمعهد العالى للدراسات والبحوث الإسلامية تسارع خلال الفترة الأخيرة، بعد تمرير وزير الشؤون الإسلامية أحمد ولد أهل داوود لقانون يضمن تحويله إلى نظام "ل م د" وادخاله ضمن منظومة التعليم العالى التى أقرها قانون 2010 بعد معارضة قوية من بعض الوزراء داخل الاجتماع قبل الأخير.

 

وقد أقر الرئيس محمد ولد عبد العزيز فكرة تحويله إلى النظام التربوى الجديد مع الاحتفاظ بالمسابقة السنوية، وهى احدى النقاط التى ظلت عائقا أمام تمرير المشروع منذ 2010، وكادت تعصف بالمؤسسة بعد أن اقترح البعض إلزام الراغبين فى التسجيل داخلها بالحصول على باكولوريا، وهو ما اعتبره وزير الشؤون الإسلامية إعادة لمربع ماقبل 1979 واقصاء واضح لطلاب المحاظر، بعد أن اثبتوا خلال العقد الأول قدرتهم الفائقة على التكيف مع المنظومة التربوية وتشريف البلاد، مقترحا ادخال تعديلات تمنعه من التحول إلى ساحة للفوضى، وتسمح لطلاب المحاظر بولوجه مع تمرير القانون الجديد.

 

وقد أقرت الحكومة تسجيل 150 طالب بشكل سنوى، مع السماح لثمانين بالعبور عبر المسابقة، من أجل ضمان كمية يركز القائمون عليها على الكيف بدل الكم، والنوع بدل الآلاف غير المنضبطة بقانون أو منتظمة داخل القاعات، وهو القرار الذى يواجه صعوبة الآن، لكنه بات شبه نافذ.

 

وقد صاحب القرار تمرير مقترح آخر بحل أزمة المعهد المالية – وهى معقدة- ضمن قانون الميزانية الجديد، وقد تم بالفعل حل مشكل المنح ورواتب الأساتذة والعمال بشكل نهائي، وسط حالة من الفرح عبرت عنها هيئة التدريس، وبالغ المدير بوصفها ب"الولادة الجديدة" للمعهد.

وتتطلع الجهات المشرفة عليه إلى تخريج أول دفعة مميزة من طلاب المعهد بحلول 2018 بعد أن بات الحضور الزامى، والأقسام محدودة العدد (280 طالب فقط) والأساتذة فى أوضاع مالية تسمح لهيئة التدريس بمزاولة أنشطتها بشكل مستمر بعد أن ظلت الأمور محل أخذ ورد طيلة السنوات الماضية، اثر عجز المؤسسة عن دفع رواتب العاملين فيها.

 

زهرة شنقيط / 19-11-2015