تسارعت تصرفات "الهابا" المسيئة للصورة الإعلامية العامة داخل البلد خلال الفترة الأخيرة بشكل كبير، وباتت قرارات الحظر والتوقيف والتهديد أبرز سلوك تتعامل به مع وسائل الإعلام المحلية، وسط مخاوف جدية من عودة الإعلام إلى عهد الأحادية فى الرأي، واستغلال القانون لخنق الأصوات المعارضة، وفرض جو من الخوف فى المنطقة.
لقد شكل تدخل "الهابا" فى مسطرة برنامج القنوات والإذاعات الخاصة، والضغط من أجل توقيف برامج بعينها وتعليق أخرى، خروجا عن المألوف من سلوك المؤسسات فى الدول الديمقراطية، ومحاكمة للنوايا دون سند قانونى، وتهديد جدي لحرية الكلمة وقدسية الرأي، ونزولا بالمؤسسات الدستورية من عامل اطمئنان للمجتمع، وعنصر توازن فيه، إلى سوط بيد الحاكم يجلد به مخالفيه فى الوقت الذى يريد، بل ويتحرك لجلدهم فى بعض الأقوات دون توجيه أو طلب من الحاكم ذاته.
إن القوانين الموريتانية صريحة فى ضمان حرية الرأي، والدستور – وهو أسمى وثيقة- قد نص علي حق الأفراد فى التعبير عن الآراء التى يؤمنون بها، لاتلك التى يعتنقها القائمون على تسيير الشأن العام أو المؤسسات المكلفة بضبط الأمور، ومواد القانون الجنائي صريحة كذلك فى ضبط سلوك الأفراد والمؤسسات ، لكن فى حالة الإخلال بالواجب أو خرق النصوص المتعارف عليها أو تكدير صفو السلم الأهلى داخل المجتمع، لكن القانون لايبيح للمؤسسة مهما كانت طبيعتها أو الشخص المكلف بتسييرها أن تتحكم أو يتحكم فى سلوك الآخرين لمجرد قلق ينتابه أو لأن ميزاج بعض القائمين عليها يتسم بالعدوانية تجاه تيار بعينه أو لديه حساسية من شخص بذاته.
إن الساحة الإعلامية بحاجة للترشيد بالفعل، ولكن الساحة السياسية والمؤسسات الدستورية فى بعض الأحيان أولى بالترشيد .. فهل تعى الأطراف خطورة المرحلة،وجدية المخاوف الناجمة عن تصدر البعض للمشهد دون قناعة راسخة بأهمية التحول الجزئي الذي فرضته مرحلة مابعد انقلاب 2005؟ أم أن الأمور تتجه بشكل متسارع نحو دولة الفرد وحكم الفرد واعلام الفرد وفهم الفرد للقانون والحرية والمسؤولية؟