يعيش قطاع التهذيب الوطني بصفة عامة و قطاع التعليم العالي علي وجه الخصوص أزمات خانقة على أكثر من صعيد، حيث أصبح وسطا مضطربا بفعل الإضرابات المتكررة من طرف الطلاب و الأساتذة علي حد سواء، الأمر الذي يدعو إلى القلق باعتبار التعليم العالي أصبح واقعاً اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً هاماً لا يمكن تجاهله أو تهميش دوره لأنه عصب التغيير الاجتماعي والتطوير الاقتصادي.
إن المتتبع لبدايات المسار الدراسي الجامعي الحالي 2015-2016 بمشاكله المتلاحقة كأزمة النقل و أزمة مقومات المركب الجامعي الثابتة (المطعم، النقل، السكن الجامعي) بالإضافة إلي نذر إضراب الأساتذة ، يدرك جليا أنها امتداد طبيعي لإخفاقات العام الماضي كمشكل كلية الطب حيث لم يتم استكمال البرامج وعدم منح الطلاب الوقت الكافي للتحضير و ما صاحب ذلك من عمليات طردهم ، وكذا أزمة المنح التي تعتبر سابقة تاريخية في البلاد حيث تم إلغاء منح أكثر من ألف طالب.
إن التسيير الارتجالي وضيق أفق الرؤية الإدارية للجهات التنفيذية ، رؤساء الجامعات و مجالس الإدارة ، حال لا شك دون تقديم تقرير واضح حول جاهزية المنشاة الجديدة و عن مدى جدوائية تحويل الجامعة دون مراعاة توفير الظروف الملائمة للطلاب من خلال تسخير عدد من المرافق والخدمات قصد الإسهام في مساعدة الطلبة على التحصيل الدراسي، وما اندلاع موجة الاحتجاجات العارمة التي أقدم عليها عشرات الطلبة إلا نتاج حتمي لذلك التقصير واللامبالاة ، برعاية حصرية من لدن الوزارة الوصية الغائبة أصلا عن تفاصيل المشهد الدرامي.
وعلاوة على المسؤولية الإدارية المباشرة التي ساهمت في سوء الوضعية ، عدم انتشار ثقافة الانفتاح على الأخر في الوسط الأكاديمي وانعدام ثقافة التشاور و التعاطي في الأمور ذات الصلة بين المؤطرين و الطلبة كما في جميع مرافق التعليم العالي العالمية.
ومن ناحية أخرى، ربما من الحكمة بمكان مراعاة جانب الإنصاف و النظر إلى النصف المملوء من الكأس باعتبار المنشاة الجديدة انجاز يستحق الإشادة و للقيمين عليه الحق في بعض الوقت لاستكمال ما أنجزوه – على الأقل - من باب الحفاظ على السكينة واستتباب الأمن العام الذي هو حق للجميع و بدون استثناء.
إن إضراب الأساتذة والطلاب حق مشروع يضمنه الدستور والقانون باعتباره أحد أشكال الاحتجاج السلمي، وظاهرة صحية تنم عن عدم الرضا عن واقع ما ، هذا إذا ما اتسمت بالعفوية وواقعية المطالب أو بمعنى أخر أن لا تكون مطالب تعجيزية و الأهم من هذا كله أن تخلوا من أي ارتباط فكري أو تنظيمي بين الأستاذ أو الطالب وانتماءه السياسي تطبيقا لمبدأ فصل العمل النقابي عن العمل السياسي.
ويرى بعض العارفين بالحقل النقابي أن النقابة الوطنية للتعليم العالى هي نتاج تطور العمل النقابي التقليدي الذي احتكرته جماعة واكبت جميع الأنظمة السياسية الأحادية و الأنظمة السياسية العسكرية و الشبه متعددة و النظام الحالى، هذه الجماعة تأثرت بفعل تنامى مد التيار الاسلامى الذى أضفى صبغته الفكرية على جلها.
ومن هذا المنطلق وإذا ما نظرنا من الناحية الموضوعية للساحة النقابية اليوم، فيمكننا الجزم بان نشاطها هو اقرب إلى تنفيذ الأجندات السياسية الحزبية لان غالبية تلك الأجندات يتم التخطيط له في مكاتب تلك الأحزاب.
وإذا ما نظرنا إلى مطالب الأساتذة اليوم، فإنها تنحصر فى قالب مادى بحت (زيادة الأجور، قطع أرضية، علاوات، تحسين ظروف التقاعد...) فأين هو البحث العلمى و التاطير الأكاديمي و المحصول الانتاجى العلمى للأستاذ من هذه المطالب؟ قلة قليلة تلك التى تطالب – على استحياء – ببرامج تحسين الخبرات ...انه الوجه الأخر و المفهوم المتعارف عليه بتعويضات مادية و بدل سفر وأشياء أخرى.
إن المسؤولية الملقاة على عاتق سلك الأساتذة من بين جميع أسلاك الوظيفة العمومية، تجعل منه مطالبا أكثر من أي وقت مضى بتحكيم الضمير المهنى و اعتبار الوازع الاخلاقى لغايات المصلحة العامة ، و ما إلغاؤهم للإضراب الذى كان مقررا يوم الاثنين المقبل إلا وعيا راقيا بتلك المسؤولية و ترجيحا لكفة التفاهم و صوت العقل.
إن مسؤولية النواقص الموجودة في تعليمنا العالي حاليا ، تحتاج وقفة فاحصة متأنية على مستوى رفيع جداً لتقييم وتقويم الوضع الحالي لمعرفة مكامن الخلل في إطار رؤية شاملة الأبعاد، تأخذ بالمقام الأول ضرورة إسناد المهمة إلى من هم أهل لها.
اجيه ولد سيدى هيبه