أحمدو ولد عبد العزيز .. انفتاح نادر فى عالم معقد

قبل اصابة الرئيس الموريتانى محمد ولد عبد العزيز بطلقة نارية من جندى مغمور بصحارى إنشيري، لم أك شخصيا على معرفة بالرجل، ولم أسمع عنه بحكم البعد الجغرافى والسياسي والاجتماعي من العائلة التى قفزت لواجهة السلطة فجأة فى انقلاب الثالث من أغشت 2005.

 

كان شغلنا الشاغل فى وكالة الأخبار عشية الحادث الذى هز البلد يوم الثالث عشر من أكتوبر 2012 هو وجود مصدر مقرب من الرئيس المتوارى عن الأنظار للإطلاع على وضعه الصحى، والإنفراد بأخبار ظلت محط أنظار النخب الموريتانية، داخل السلطة وخارجها.

 

 

زوال السابع من نوفمبر 2012 دخل على المدير العام لوكالة الأخبار المستقلة الهيبة ولد الشيخ سيداتى، وكنت ساعتها رئيس تحرير الوكالة، قائلا إن شخصا اتصل به مقدما نفسه بأنه نجل الرئيس المصاب، وإن لديه صورة ملتقطة حديثة من والده تؤكد تعافيه من الإصابة، فى وقت كانت فيه الصفحات والمواقع والمهرجانات تشتعل بالأحاديث غير الدقيقة عن واقع الرجل ومصيره الغامض لكثير من أبناء البلد، وبينهم أطر فى السلطة وقادة فى المعارضة السياسية بالبلاد.

 

أخذت الهاتف للحديث معه، وكانت أسئلتى منصب فى البداية حول هويته، من أجل التأكد من صدقية الشخص الذي يخاطبنى على الهاتف، وطلبت منه – دون احراج- مختصر حياته، وكيف أطل فجأة من هاتف خلوي، ومن رقم مجهول ليحدث الناس، ولماذا اختارنا بالضبط لروايته المعززة كما يقول بالصور؟ وهل من الممكن أن أتحدث مع شخص آخر لتأكد من رقمه؟ وهل هنالك من يعرف الرقم من خارج دائرة الأسرة للاطمئنان على أنني أخاطب "أحمدو ولد عبد العزيز وليس غيره؟ ولماذا بالضبط أراد الآن نشر الخبر والصورة؟.

 

كان مسترسلا فى الكلام طيلة المكالمة، سريعا فى النطق دون تشنج، مستطردا عن حياته التعليمية، ومكان سكنه الحالى وسنه وواقعه الإجتماعى، ومكانته بين أفراد العائلة، وكيف راودته فكرة الاتصال بموقع يصنفه المحيط المقرب منه بالمعارض، ويرى هو فيه مصدر الأخبار الأول، وأبرز عنصر تأثير داخل المجتمع خلال الفترة الأخيرة.

 

وعد بارسال الصورة التى حدثنا عنها، وعرض التواصل مع أي شخص مقيم فى فرنسا ليتأكد منها فى الهاتف الذي التقطت منه، وتعهد بمواصلة تزويدنا بأخبار والده إن نحن أردنا معرفتها، رغم امتعاض بعض المقربين منه، وخصوصا السفير الموريتانى فى فرنسا ساعتها، والذي كان يعارض فكرة ارسال الصورة لموقع الأخبار، ويجزم بأننا قد نستغلها لتشويه صورة الرئيس المريض.

 

قبل الثالثة والنصف كانت الصورة عندنا فى الأخبار، وهو ما أثار ضجة، بين مشكك فى امكانية حصولنا على الصورة من شخص تحيط به أسوار الفرنسيين، ويعيش ظروفا بالغة التعقيد،وبين متهم لنا بالغفلة والاستغلال من قبل سلطة نجحت فى تركيب صورة للرجل بغية اقناع العالم بأنه حي يرزق، وأن العملية التى أجريت له كانت ناجحة، بينما كان بعض المقربين منه  اجتماعيا وبعض  رموز العمل السياسى يحدثون الناس عن موت سريري للرئيس، وعن شلل أصابه، وعن خروج نهائى من دائرة التأثير والتدبير..

 

ظلت العلاقة بالرجل قائمة عبر الهاتف، وكان مصدر تزويدنا باستمرار بأخبار والده إلى غاية عودته فى الرابع والعشرين من الشهر ذاته. شكرناه على السبق الذى خصنا به، وعلى الثقة التى منحنا فى عالم معقد، وكان فى مجمل محطات التجربة صادقا وصريحا ومنفتحا وواثقا مما يقول.

 

بعد اللقاء الأول ظل الشاب وفيا للعلاقة المحدودة التى جمعتنا دون أن نلتقي به وجها لوجه، وخلال السنتين كان له الفضل فى المبادرة بالاتصال  على أكثر من مرة مهنئا بالعيد أو الفطر أو مباركا بحلول شهر هلال رمضان، أومتضامنا مع الأخبار بعد توقيف أحد محرريها من طرف الشرطة أو تعرض أحد العاملين فيها لسوء معاملة، ومثنيا على مشاركة مديرها فى الحوار مع الرئيس 2013، وشارحا كيف فهم المقربون من الرئيس أسئلة المدير بالغلط، واختلط عليهم دور الصحفى المهنى والناشط السياسي الموالى!، وكيف جادل أقرب المقربين إليه لإقناعه بأنها الأسئلة الوحيدة الممتازة فى تلك الليلة، باعتبارها طرحت أسئلة يرددها الشارع باستمرار، وداعيا مرة أخرى للمشاركة فى حفل زفافه، وهى الدعوة التى اعتذرت عنها بلباقة وتفهمها بأدب، فى ظل واقع لايزال التمييز فيه بين السياسي والإجتماعى غير ممكن، وكان آخر اتصال بيننا قبل فترة حينما ابلغني هاتفيا بأنه قرر العودة إلى موريتانيا منتصف دجمبر 2015، وأنه ينوى تفعيل هيئته الخيرية والاستقرار فى البلد.

 

ظل أحمدو ولد عبد العزيز منذ أن عرفناه فى وكالة الأخبار كما هو دون أن يتغير، رغم الصخب الذي مرت به البلاد، والأخبار الكثيرة التى تناولت والده بقدر كبير من الجرأة وقليل من التحفظ، لم يتدخل يوما ليعبر عن امتعاضه من استهداف يراه البعض قائما، ولم تغيره مجمل الملفات التى نشرناها تباعا، وكلما سألناه عن ملف قمن بأن يكون على اطلاع به أو خبر نما إلينا دون تفصيل، أجاب بصراحة أو اعتذر بأسلوب لبق "والله أل نعرف تفاصيل يغير ألا سامحون في هذه"...

 

اليوم حكم الله عليه بالرحيل وهو فى مقتبل العمر دون أن يكتب له المقام فى البلد المنكوب بساكنيه، وكنا من أوائل الذين استقبلوا خبر وفاته، كانت بالفعل صدمة بالغة التأثير، وفاجعة لشاب يجزم أغلب الذين التقوا به على أنه استثناء من واقع معقد، وأن انفتاحه أقوى من نمط الحياة الذي يعيشه.

 

 رحمه الله وغفر لنا وله، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

 

سيد أحمد ولد باب / نواكشوط