لإعلام الخادع والمضلل للرأي العام

في ظل التمايز البيّن الحاصل بين الواقع المعاش في شتى المجالات وما تعكسه وسائل الإعلام التقليدي منها والحديث على حد سواء من تبني اتجاه ثابت ومتسق من القضايا الوطنية والذي أفرز رأيا عاما محليا يمكن وصفه بالخادع والمضلل ..

ذلك الرأي العام المصنوع بآلة إعلامية موجهة ومتحكم فيها على حين غفلة من القائمين على تدبير شؤون البلاد ؛ والذين يبدوا أنهم انشغلوا بترجمة برنامجهم الإنتخابي على أرض الواقع دون الاهتمام بتسويقه ؛ وإن نجحوا في تذليل الصعاب التي كانت عصية إبان وصولهم للحكم إلا أن عدم وضعهم في الحسبان لضرورة إطلاع المواطن على ما تحقق والطريقة التي أنجز بها من خلال مواكبة إعلامية تضمن استمرارية الإنجازات وتوفير حاضنة شعبية داعمة باستمرار و مستعدة للدفاع عن النظام الذي حول كل شبر في الوطن إلى ورشة ..

 خلقٌ طرف سياسي لرأي عام محلي داعم لتوجهاته ــ دون أن يمتلك أرضية يقف عليها أو دليلا ملموسا يستند عليه حال التدقيق والبحث ــ ساهمت فيه عدة عوامل تبدأ بمناخ الحرية المشاع والذي وصل حد الفوضى نتيجة غياب المسؤولية ؛ مرورا بانشغال أبرز الخصوم بالعمل على تطبيق البرنامج الإنتخابي كما أسلفنا والذي سحب البساط من تحت أقدام المناوئين بما فيهم خالق الرأي العام المحلي ؛ وصولا إلى وجود صراعات قديمة داخل الحقل الإعلامي بين مهنيين ونفعيين يبدوا أن الغلبة فيها كانت من نصيب النفعيين فحين رفع المهنيون شعار " لن ندخلها أبدا ما داموا فيها " انتهز النفعيون والأميون الفرصة لضرب أجنحة النظام المتصارعة بعضها ببعض ليكون الرابح في الأخير هو ذلك الطرف السياسي الذي حاول استيراد الجحيم العربي من خلال دعوات الرحيل  وأطلق العنان لشائعة عجز الرئيس إبان إصابته بطلق ناري..

حالة الفشل التي صاحبت دعواتهم للرحيل وإشاعة عجز الرئيس جعلتهم يركزون على بناء منظومة إعلامية شاملة تستهدف خلق رأي عام وطني يتم الاستنجاد به لتجاوز المطبات ، وبالإمكان القول بأنهم قد نجحوا حتى الساعة في خلق رأي عام محلي دون أن أصفه بالوطني ذلك أنه يتمركز أساسا في التجمعات الحضرية الأقرب إلى وسائل الإتصال ..

ونظرا إلى هشاشة  وضعف الآلة الإعلامية  المناوئة لهم فرض إعلامهم  حالة  من السيطرة على الأفراد النشطين  في الساحة الإعلامية والسياسية وحتى الدينية والإجتماعية  فبات كل مخالف لما يروجون له خارج على المجتمع منبوذا داخله لذلك لجأ أغلب الناشطين إلى تبني نظرية "دوامة الصمت" التي تجعل الرأي العام يتحرك في نفس اتجاه وسائل الإعلام  وهي المدارة طبعا من طرفهم..

وحتى لا أتجاوز هشاشة وضعف الإعلام  المحسوب على النظام لا بد من التوقف عند أبرز أسباب ضعفه والتي تكمن أساسا في عدم دعمه بالموارد المالية اللازمة التي تمكنه من المنافسة والإنتاج والاستعانة بأصحاب الخبرة والمهنية ، أما السبب الثاني فهو عائد إلى عدم اقتناع المستثمرين فيه بالأدوار التي يمكن أن يلعب إذا ما وفرت له الوسائل اللازمة وفي مقدمتها وضع إداراته في أيد أمينة قادرة على البذل والعطاء والإبداع بدل تركها في أيدي مجموعة من تجار التجزئة والمبادئ ..

وإذا ما نظرنا إلى الآلية التي استطاع من خلالها خصوم النظام خلق رأي عام محلي نجد أنه اقتطع من وسائل صناعة الرأي العام ما يلائمه حيث ركز على وسائل الإعلام التي هي نقطة ضعف النظام ومن المعلوم أن هناك عدة  زوايا ينظر من خلالها المهتمون بالعلوم الإنسانية  والاجتماعية  المختلفة لمفهوم الرأي العام وكيفية تكوينه ففي حين يركز باحثوا السياسية  على أهمية الحرية  والديمقراطية والوعي بطبيعة الصراع بين الطبقات الإجتماعية  المختلفة في تشكيل الرأي العام ، يهتم الإجتماعيون بحصيلة الخبرات الاجتماعية السابقة لدى الأفراد ودور النسق القيمي الاجتماعي في تشكيله ، أما علماء النفس فيؤكدون على أهمية مفاهيم التوافق الاجتماعي وسعي الأفراد نحو القبول من الآخرين كمتغيرات تؤثر في تشكيل رأي الأفراد تجاه القضايا المثارة ، أما باحثوا الإتصال فيكتفون بأهمية الدور الإعلامي في تشكيل الرأي العام ..

وعلى الرغم من تركيز خصوم النظام على البعد الإعلامي في خلق رأي عام مساند لهم إلا أنهم لم ينسوا ما يخدمهم من الجانب النفسي فبعد سيطرتهم الإعلامية انتهجوا أساليب التخويف المعتمدة أساسا على إشعار مخالفهم بالعزلة والشذوذ والخروج على المألوف وهو ما مكنهم من السيطرة على المجتمع وسلب أفراده مناعتهم الفكرية خاصة في ظل عدم قبولهم للحوار أو النقاش .

فهل سيعي النظام الأخطار المحدقة التي تتهدد المجتمع في ظل انتشار تيار إقصائي يمتلك آلة إعلامية لا تحترم الرأي المخالف بل إنها لا تعترف له بحق الوجود أصلا ؟

ومتى يعي القائمون على الشأن العام أن ضرورة الحفاظ على خصوصية هذا المجتمع وثقافته مطلب شعبي آن الأوان لتحقيقه ؟

 

أحمد ولد الدوه