هل تخطط واشنطن لتفكيك البلد أو عزل الرئيس؟

هل بدأ الضغط الغربى على الرئيس قبل الرئاسيات القادمة؟

تصاعدت وتيرة المخاوف داخل الدوائر الرسمية بموريتانيا من وجود مخطط لدى الولايات المتحدة الأمريكية وبعض حلفائها من أجل زعزعة الاستقرار بالبلد أو الإطاحة بالرئيس محمد ولد عبد العزيز من مقاليد الحكم قبل انتهاء مأموريته الثانية.

فقبل أسابيع قليلة نشر مركز "كارينغى" دراسته الشهيرة عن عدم الاستقرار فى موريتانيا ، رافعا فزاعة الإخوان المسلمين كقوة خفية تتجه لحكم البلاد بحكم التسامح الذى يبديه الرئيس محمد ولد عبد العزيز مع أنشطتها، ودفع التقرير بشكل بالغ الخطورة بأرقام ونسب تشكل خروجا عن النسق المألوف لمراكز البحوث وقوى الضغط ذات المصداقية والتأثير، حيث منح البيظان "30%" من نسبة السكان، و30% منحها للزنوج، ومنح لحراطين 40% من ساكنة البلد دون اعتماد أي مصدر أو احصاء يركن إليه .

  وانتقل التقرير الذى أعد بعناية إلى فقرة تهدف بالأساس إلى تشويه صورة البلد باعتباره أحد مصانع التطرف فى القارة السمراء قائلا " لايزال الموريتانيون يشكّلون عدداً كبيراً من الجهاديين من ذوي الخبرة في المعارك، الذين يعملون في منطقة الساحل والصحراء. ويباهي فوج المقاتلين الموريتانيين أيضاً بأنه يضم عدداً من الأعضاء البارزين في المؤسّسة الصحراوية المتمرّدة والمتشدّدة. وليس ثمّة بلد آخر في منطقة الساحل والصحراء ينتج عدداً من المنظرين الجهاديين والعناصر الإرهابية البارزة بقدر ماتنتج موريتانيا نسبةً إلى عدد سكانها".

ورسم التقرير صورة قاتمة عن وضع البلاد فى ظل الرئيس محمد ولد عبد العزيز مستنتجا خلاصة بالغة الدلالة "لاتزال موريتانيا تعاني من مستويات عالية من الفساد، والتوزيع غير المتكافئ للثروة، والتوزيع غير العادل وغير المنصف للموارد العامة. ولايزال التعليم العام في أزمة، في حين أن الحصول على مياه الشرب والكهرباء والخدمات الصحية محدود للغاية وغير متوازن. أما جهود الحكومة للاستثمار في رأس المال البشري وتوفير التحويلات النقدية المستهدفة للأسر الأكثر ضعفاً فتنفَّذ بصورة سيئة. كما أن الاستقطاب الاجتماعي والاضطرابات السياسية حول حقوق الأرض والتمثيل العنصري والعرقي في الأجهزة السياسية والبيروقراطية للدولة يزداد سوءاً".

 

واظهر التقرير الحراك الإحتجاجى وكأنه مقدمة فعلية لتقسيم البلد قائلا " أصبحت التعبئة الجماعية أيضاً أكثر تنظيماً في الجزء الموريتاني من وادي نهر السنغال، حيث يناضل الموريتانيون الأفارقة من أجل العدالة والمساواة عبر العديد من المنظمات مثل حركة "لاتلمس جنسيتي". التوتّرات العرقية في الوادي، المتجذّرة في عدم الثقة والشكّ المتبادل بين الموريتانيين السود وذوي البشرة الفاتحة، شائعة بين الرعاة (المغاربة البيض) والمزارعين (الفولاني). ويمكن أيضاً ملاحظة تصلّب المطالبات العرقية المنظمة في حملة مقاومة مشاريع الرئيس الاستثمارية والمؤسّسات الغذائية والزراعية متعدّدة الجنسيات. ويعارض الحراطون والموريتانيون من أصل أفريقي مثل هذه المشاريع الإنتاجية الزراعية بصورة صاخبة، والتي يسيطر عليها عادةً المغاربة البيض".

غير أن خلاصات التقرير بدت جد واضحة، فالمركز الأمريكى لايرى فى موريتانيا أي أمل فى ظل الرئيس الحالى محمد ولد عبد العزيز، وهو ما أشار إليه التقرير بوضوح حينما قال "يمكن للمجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة وفرنسا والاتحاد الأوروبي، أن يلعب دوراً هامّاً في تعزيز الاستقرار في موريتانيا، التي تُعدّ ركيزة أساسية في استراتيجية الغرب في منطقة الساحل. فهناك إمكانية لإنقاذ الدول الضعيفة والراغبة في معالجة مشاكلها الكثيرة عن طريق تعزيز قدراتها. غير أنه لايمكن إنقاذ الدول التي لاتملك العزيمة ولا الوسيلة لإنجاز المهام الأساسية للدولة، مالم يتم إقناعها أو الضغط عليها كي تحسّن سلوكها".

وانتقل التقرير من مرحلة التشخيص إلى دق إسفين الفتنة بين الرئيس وكبار الضباط العاملين معه، حيث زعم التقرير أن التجنيد اجبارى فى صفوف الأرقاء السابقين ، لكنهم محرومون فى الوقت ذاته من الترقية ، كما أن " اعتماد ولد عبد العزيز على هذه المؤسّسة من أجل البقاء السياسي، يجعله عرضةً إلى تحدٍّ داخلي لحكمه من الفصيل الشرقي، والذي يُعتبر من الناحية العددية القوة المهيمنة في سلك الضباط".

غير أن التقرير الذى شكل صدمة لصناع القرار بموريتانيا، لم يكن كافيا بحسب البعض لتعزيز الضربة الموجهة للنظام الموريتانى والنخبة العسكرية الحاكمة من قبل بعض الدوائر فى الولايات المتحدة الأمريكية، بل سعت الولايات المتحدة عبر تسريب 130 وثيقة بشكل مفاجئ إلى تجريد الرجل من الحاضنة الدولية التى رأت فيه رجل القارة القوى فى مواجهة الإرهاب خلال السنوات الأخيرة، عبر الدفع بوثائق تثبت أنه كان ينوى- أو ربما فعل- شراء السلم لبلده بالمال، وتحديد "باليورو" فى رسالة بالغة التأثير لصناع القرار فى أوربا، وبالغة الإساءة لحكام البلد والمهتمين باستقراره.

--------------

تقرير مركز كارينغى