هذا عنوان بأحد أشهر المواقع الموريتانية، ربما لم يلفت انتباه كثير من رواد الموقع، وعلى الأرجح يراه بعض أنصار الحكومة انتصارا للوزير الذي استطاع لجم فضول صحافي في مؤتمر حضره أساسا لإشباع ذلك الفضول.
وغالبا لن يثير هذا العنوان حفيظة برلماني سواء كان معارضا أو أحد نواب المولاة، لأن رفض الوزير الرد على سؤال – أي سؤال- يصنف حصافة من مقتضيات المنصب.
أتذكر يوم ورد على وكالات الأنباء نبأ اعتقال السنوسي في موريتانيا قادما – أو مستدرجا- من المغرب، كنت حينها في قاعة تحرير إحدى القنوات العربية الكبيرة وكنت الموريتاني الوحيد فيها، وبطبيعة الحال كانت الأنظار متجهة إلي لاستكناه الخبر من مصادر رسمية، بل وللحصول على تصريح رسمي من الحكومة.
اتصلت فورا بوزارة الإعلام بوصفها الناطق باسم الحكومة أريد تأكيدا رسميا، أحالتني الوزارة إلى وزارة الخارجية بوصفها المعني بالشأن لارتباطه بعلاقات موريتانيا ودولة أخرى، طلب مني الناطق باسم الوزارة التواصل مع الأمين العام الذي ردني بدوره إلى الناطق باسم الوزارة، وتحجج الأخير بأن الأمر يعني وزارة الداخلية التي تحتجز الشخص، ثم أحالني إلى وزارة الداخلية التي أعادتني بدورها إلى وزارة الاتصال، واستمرت الدوامة وفريق القناة التي أعمل فيها يسجل الأرقام وهو مندهش.
الأمر ذاته حصل معي ومع كثير الزملاء الصحفيين في أغلب المواقف التي يحتاجون فيها رأيا رسميا.
الطريف في الأمر أن النشرة التي بثت في تلك الحظة كان فيها اتصال هاتفي مع وزير إعلام في إحدى الدول العربية، وكان يتحدث من غرفة نومه لأن الوقت كان باكرا جدا.
لا أتحدث هنا عن حالة " بيع السنوسي" فالقصة لم تعد تحتاج تأكيدا أو نفيا من الحكومة الموريتانية لأن وثائق الحكومة الليبية المنشورة على الأنترنت والمتضمنة ميزانية المؤتمر الوطني العام توضح أن 250 مليون دينار ليبي دفعت إلى الحكومة الموريتانية.
ليس هذا مجال الحديث، وإنما المزعج في الأمر أن عقلية الصمت متجذرة في العمل الحكومي الموريتاني منذ أيام حكم ولد الطايع واستمرت مع من خلفوه، يستوي في ذلك رئيس مركز إداري في فصالة ورئيس حكومة.
وهي عقلية غاية في التخلف، لا تنم عن حرص على الحقيقة بقدر ما تنم عن سوء وعي بمقتضيات الحياة العصرية، في زمن لم يعد الحجب ممكنا لأي معلومة أيا تكن خطورتها.
وفي مجتمع ينخره الفضول والفساد، يكفي أن تدفع لشرطي مبلغ 2000 أوقية ليأتيك بمحضر تحقيق طازج مع أخطر سجين إرهابي.
ولكن ما لا يدركه القائمون على الشأن العام أن صمتهم يعود عليهم بعكس ما يريدون، لأن رفضك قول ما تراه حقيقة يفتح المجال للآخرين لنشر ما يصلهم من مصادر قد لا تهتم إلا بمصالحها.
وفي الوقت الذي تتسابق الحكومات في العالم إلى الانفتاح على شعوبها بل وعلى أعدائها من خلال منصات تواصل موثقة تنشر أولا بأول ما يتعلق بالشأن الحكومي تكتفي الحكومة الموريتانية بمؤتمر صحفي أسبوعي يتيم لا توفر له نقلا مباشرا حتى.
ويبث بعد انتهائه بخمس ساعات ضمن نشرة الأخبار في التلفزيون الرسمي، وربما هو المؤتمر الصحفي الوحيد في العالم الذي لا ينقل نقلا مباشرا، لأن أغلب المؤسسات الإعلامية في العالم لا تنقل المؤتمرات الصحفية الحكومية إلا من القنوات الرسمية بوصفها الأحرص والأكثر دقة في ما يتعلق بالشأن الحكومي لبلدانها.
ولكن التلفزيون الموريتاني هو الوحيد في المنطقة الذي لا ينقل أي حدث مهما كانت أهميته نقلا مباشرا إلا إن كان حدثا خاصا يحضره رئيس الجمهورية، وحينها تستنفر كل الطاقات ويحضر الطاقم الإداري من أعلى هرمه حتى أصغر مصور لضمان جودة النقل، في حين أن الأمر لم يعد يكلف أكثر من جهاز بسيط يمكن شراؤه من "نقطة ساخنة".
إن الحكومة الصامتة في عهد " السماوات المفتوحة" مظهر من مظاهر الفشل الحضاري والسياسي، وغباء استراتيجي يضر النظام والقائمين عليه أكثر مما يضطر المعارضين أو المواطنين.
وخطابات التشدق بالانفتاح الإعلامي واهية حين لا يوكبها انفتاح حقيقي شفاف على وسائل الإعلام، وهو انفتاح قبل أن يكون سمة حضارية ومظهرا من مظاهر الديمقراطية فهو بالدرجة الأولى حق دستوري يكلفه الدستور الموريتاني لكل مواطن، وتكلفه مواثيق الأمم المتحدة، ويدعى " الحق في المعلومة".
أحمد ولد إسلم
Ahmed3112@hotmail.com