لقد تابعت عددا من التعليقات و المواقف على النت تتعلق بحضوري لمؤتمر افلام الذي عقدته الجمعة في العاصمة انواكشوط ، و كان طبيعيا أن تصدر هذه التعليقات و المواقف سواء كانت تنتقد فتهاجم أو تتفهم فتدافع و قليلا هم الذين حاولوا النظر إلى الموضوع من زاوية ثالثة تسأل و تستشكل ، و هنا أشكر الجميع و أتفهم موقفه رافضا كان أو قابلا و إن كان البعض استعمل عبارات و بالغ في أوصاف و أطلق إطلاقات لا يحتملها الموضوع و لا يبررها الحدث ، و لأنني لست من الذين يتجاهلون ما يقال و يكتب ، و حق الناس محفوظ في أن يعرفوا و يشرح لهم بادرت فسجلت توضيحات عجلى في تغريدات خمس و لأن ذلك لم يكن كافيا فيما بدا بعد فقد قررت أن أضيف إلى التوضيحات مثلها .
و لعله من المناسب هنا أن أشكر التواصليين الذين انتقدوا و صرحوا بأنه لا الحضور عندهم مقبول و لا تبريره مقنع ، فنحن قوم نختلف و نتباين و لا حصانة لأحد في رأيه و لا بسبب موقعه ، فتلك ظاهرة صحية تنفع و لا تضر و لا أخفي شخصيا اعتزازي بها .
لقد تسرع بعض المدونين و مرتادي فضاء الفيسبوك و وزعوا يمينا و شمالا أوصافهم و قطعياتهم و لم يتثبتوا فيما يقولون و لا ما ينسبون ، و لأن الموضوع تجاوز المؤتمر المذكور و الحضور المذكور و تطرق إلى مواضيع الدولة و الوطن و الانفصال و العنصرية و لم يخل من إشارات إلى السوابق فإنه يتطلبه التوضيحات التالية :
1 – ينبغي أن نعرف أن موريتانيا بلد متعدد الأعراق و الفئات و أن تاريخ الدولة فيه يوضح كم عجزت النخب الحاكمة على امتداد الفترات الماضية عن تسيير هذا التعدد على قاعدة التعايش و الأخوة و العدل و أن محطات خطيرة من هذا التاريخ أوجدت شرخا عميقا في جسم العلاقة بين المكونات العرقية المختلفة ، كما ينبغي أن نستحضر – و هو أمر مفهوم في مثل هذا النوع من المجتمعات الانقسامية – أن البلاد عرفت بروز حركات و نزعات قومية تأسس خطابها على عصبية الانتماء و شيئ من الإلغاء و كانت تتفاوت في ذلك تصريحا و تحريضا ، و لا شك أن موقعها و موقع قومها من حيث النفوذ و القوة أو من حيث الضعف و الهامشية أثر على طبيعة الطرح و مستوى التشنج فيه ، و لكن هذه الحركات و التوجهات شهدت تطورات في الرؤية و الموقف و الخطاب من مصلحة الجميع تقبله و ربما تشجيعه ، و ليس من المناسب العودة إلى التلاسن الإيديولوجي الذي يحاكم الناس بتاريخهم و ماضيهم ، و هنا لا يناسب عندي مهاجمة قوميين لتبرير المشاركة في مؤتمر قوميين آخرين و لا استدعاء مقارنات لا يسعفها واقع هذه التيارات اليوم .
لقد كانت أزمة 1989 أزمة مؤلمة تعرض فيها الموريتانيون في السنغال لأبشع أشكال الظلم و العدوان و تعرض السنغاليون في موريتانيا لردة فعل فاحشة ، ثم جاءت المأساة التي عرفتها البلاد بداية التسعينيات و التي أدت لآلام غائرة عند الإخوة الزنوج الموريتانيين و خصوصا المكون البولاري فقد قتل المئات و هجر الآلاف و اعتدي على الأعراض و الممتلكات و للأسف كان أغلب ذلك باسم الدولة و رسلها ، و كانت الأصوات المنددة بهذا الوضع المنكرة له المتعاطفة مع ضحاياه قليلة و مبحوحة أحيانا و هو ما أدى لحالة نفسية ينبغي استحضارها و عدم الغفلة عنها عند عامة القوم و عند سياسييهم و مثقفيهم ، و أن ينتقل خطاب افلام من مستوياته التي كانت تظهر نهاية الثمانينيات و خلال التسعينيات إلى النحو الذي ظهر في خطاب رئيسها و هو يفتتح مؤتمر الجمعة الماضي أمر يستحق التوقف و تشجيع الحوار و التبادل بدل الإثارة و التشنج و الرفض ، و لا يعني ذلك أن الخلافات غير موجودة بل هي موجودة و في عدة نقاط و مجالات ، و أنا أخاف أن يكون شبابنا و مثقفونا و كتابنا مكتفين بما سمعوا و يسمعون عن القراءة و المتابعة و معرفة ما يستجد من الرؤى و المواقف .
لقد علمتنا التجارب أن التعامل مع الدعوات العصبية أو الحركات ذات المطلب المتعلق بالهوية و الخصوصية – أيا كان اللون أو الموقع أو النسبة الديمغرافية – ينبغي أن ينحو منحى الحوار و التعاطي فالرفض يزيد التشنج و الإلغاء يشرع الإنكفاء و ما يترتب عليه ، إن حوارا مجتمعيا جديا لا يقصي أحدا مادام سلمي المنهج ساعيا للعمل وفق القانون ، للجميع أيا كانت خلفيته الإيديولوجية أو لونه الفكري مكانه فيه ، أصلح للبلد و أدعى لأن يسود الاعتدال و منطق التوازن .
أما موضوع الحكم الذاتي – و الذي طرحته افلام في خطاب رئيسها على أنه طريقة لإعادة التنظيم الإقليمي للدولة – فليس لي برأي و لا أخاله ضامنا لحقوق أو مانعا لظلم بل أراه سببا في مزيد فرقة في واقع يكثر دعاة العصبية فيه و يخاف الوحدويون من مدغدغي المشاعر العنصرية البسيطة .
فالمهم أن ينعم كل أبناء البلد بالعدل و أن تجد المكونات العرقية و الاجتماعية نفسها في بلدها و دولتها و مؤسساتها في جو من الإنصاف لا عنصرية فيه و لا استرقاق ، و أن لا يكون ثم غبن و لا تهميش ، بل الأخوة و الاسلام أساسها تجمع و المواطنة الضامنة للمساواة هي قاعدة التعامل ، هذا هو المهم و توفره يغني عن غيره و هو أصلح للبلاد و العباد .
أما حضور الجلسة الافتتاحية لمؤتمر افلام الذي تنظمه في في إطار سعيها للتحول إلى حزب سياسي فلا أزيد على ما في التوضيحات الأول ، و عموما فهو اجتهاد و اجتهاد سليم فلا هو بالخطإ أحرى أن يكون جرما أو شيئا إدا .