اطلعتُ عبر الموقع الألكتروني لجريدة "اليومي"" Le quotidien"السنغالية في 24 من يناير 2016 علي خبر منسوب إلي مصادر شديدة الإطلاع يُفيد بتحذير السفارات الأمريكية بغرب إفريقيا للمواطنين الأمريكيين من احتمال تفجيرات إرهابية بساحل العاج و السنغال مطالبة إياهم باتخاذ كامل الحيطة و الحذر و إبلاغ السفارات عن "خرائط" تنقلاتهم و أسفارهم و إقاماتهم داخل هاتين الدولتين.
و بعد شهرين تقريبا صدق جزء من "نبوءة" الاستخبارات الأمريكية -و دعاؤنا من أعماق قلوبنا أن يَكْذِبَ و يَخِيبَ و لا يصدق الجزء المتبقي- حيث هاجم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي "محطة استجمام و استحمام" " station balnéaire " بأبيدجان.
و قُتل خلال هذا الهجوم لإرهابي قرابة ثمانية عشر شخصا منهم ثلاثة فرنسيين و سيدة ألمانية( لم يصب أي أمريكي بأذي) و َتبني التنظيم سريعا الهجوم كاشفا عن هوية المنفذين الثلاثة اثنان من قومية"الفُلاًنِ" و ثالثهما "أزوادي".!!
و من قبلُ كان نفس التنظيم قد نفذ عملية "احتلال موضعي مؤقت" و "قتل جماعي عشوائي" مماثلة بفندقي "رادسون"ٌRadisson" ببامكو و "سبلانديد" " Splendid" بواغادوغو ولولا تدخل القوات الفرنسية و الأمريكية الخاصة لكانت نتائج ذَيْنِكَ "الاحتلالين الموضعيين" أوسع مكانا و زمانا و أكثر دموية و دمارا و خرابا،...!!
و من دون شك أن ضربات تنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي لعواصم ساحل العاج و بوركينافاسو و مالي تمثل صَفَافِيرَ و أجراس إنذار يجب علي جميع دول الساحل و الصحراء الإنصات و الإصغاء جيدا لها و تحيين الاستراتجيات الوطنية و الإقليمية لمحاربة القاعدة و أخواتها علي ضوء الدروس المستخلصة من تلك الهجمات المتتابعة و المتماثلة.
و في بلادنا فإنه يتعين حسب اعتقادي أن يتم تحيين و إعادة ترتيب أولويات الاستراتجية الوطنية لمحاربة الإرهاب أخذا في الاعتبار لظهور "دولة داعشية" علي جزء من التراب الليبي و ذيوع أخبار تفكيك خلايا "تجنيد داعشي" بدول شقيقة ومجاورة كانت تخطط لاستخدام بلادنا "منطقة عبور" أو "نقطة تجميع".
ضف إلي ذلك توسع منطقة استهداف و "خط نار" قاعدة المغرب الإسلامي و أخواتها إلي دول لم تكن من قبل ضمن دائرة الاستهداف كبوركينافاسو و ساحل العاج. و يمكن أن يدور التحيين المرغوب للاستراتجية الوطنية لمحاربة الإرهاب حول المحاور الأربعة التالية:-
أولا: ترفيع و تعزيز الجاهزية العسكرية و الأمنية: من المجمع عليه وطنيا و إقليميا و دوليا أن السنوات الأخيرة عرفت نقلة نوعية ( حقيقة و واقعا لا مجازا و دعاية) في مجال تكوين و تجهيز و تحفيز القوات المسلحة و قوات الأمن الوطنية خصوصا منها الأجهزة و التشكيلات المتخصصة في مكافحة الإرهاب.!!
و هو جهد جهيد حميد تجب مواصلته و تعزيزه مهما كلف ماليا في زمن "غَيْرِ اليُسْرَةِ المَالِيًةِ" ذلك أن الأمن في منطقة الساحل و الصحراء اليوم هو أول المستعجلات و الضروريات وغيره مقارنة به ضَرْبٌ من الكماليات و التحسينيات.!!
ثانيا:تطبيع المشهد السياسي الوطني:إذا كان النموذج الديمقراطي الوطني قد جلب و الحمد لله حتي الآن الاستقرار السياسي و الاجتماعي للبلد فإنه لم يستطع أن يوفر الحد المقبول من "الطمأنينة السياسية".
و تأسيسا علي ذلك فإن جميع الفاعلين السياسيين من قطبي الموالاة و المعارضة مطالبون بالإسهام الكبير و التنازل المؤلم و التضحية الجسيمة من أجل تطبيع المشهد السياسي الوطني ذلك أن التجارب الإقليمية القريبة و التجارب الدولية علمتنا أن "ذئاب الإرهاب" إنما تأكل او تعض الدول الأعنف تجاذبا ومِرَاءً و تنافرا و تباغضا سياسيا...!!
ثالثا:ترسيخ و توسيع المرجعية الإسلامية للدولة الموريتانية: من المتواتر عليه أن أولي الخلايا الإرهابية التي تشكلت في بلادنا إنما حَرًضَها ابتعاد النظام الموريتاني ساعتئذ من الحاضنة و المرجعية الإسلامية.
كما أنه من الملاحظ أن ترسيخ النظام السياسي الحالي للمرجعية الإسلامية من خلال العديد من الإجراءات الملموسة و الرمزية قد ساهم في سد الذرائع و سحب البساط و"جَزِ النبات من تحت أقدام" حَمَلَةِ خطاب الغلو و التطرف.
و عليه فإن توطيد و توسيع المرجعية الإسلامية للدولة الموريتانية من خلال تنويع و زيادة الدعم العمومي المعنوي و المادي للعمل الإسلامي ينبغي أن يُفهم أنه أكثر محاور الوقاية من الإرهاب نجاعة و مردودية.
رابعا:تمتين التعاون الإقليمي و الدولي: بما أن الإرهاب ظاهرة عابرة للحدود فإن جهود محاربتها يجب أن تكون عابرة للحدود و يستحسن سدا للذريعة أن ينحصر التعاون مع الدول الغربية و الدول غير المسلمة في المجال الاستخباراتي و تبادل المعلومات ذلك أن التعاون العسكري العملياتي المباشر أو غير المباشر مع الدول غير المسلمة يتم تكييفه غالبا من طرف الحركات التكفيرية غزوا أجنبيا مُحرضا و مُوجبا للإرهاب .
اما التعاون العسكري الإسلامي و الإقليمي (بين جيوش بعض الدول المسلمة) فهو أمر مطلوب و ضروري و مستعجل خصوصا من خلال تشكيل وحدات عسكرية مشتركة عالية التكوين و التدريب و التجهيز و التشجيع المادي و المعنوي موجهة للتدخل السريع و صد الهجمات الإرهابية النوعية التي قد تفوق القدرات العسكرية لبعض الدول منفردة و للاستغناء أيضا عن اللجوء إلي الاستعانة بالقوات الخاصة للدول غير المسلمة في حالات الصدمات الإرهابية الشديدة.
تلكم بعض الملاحظات و المقترحات التي تراكمت في ذهني بعد "الصدمات الإرهابية" المتتابعة "ببامكو" و "واغادوغو" و"أديس ابابا" و "بن غردان" راجيا أن تتسلم المرجعيات و النخب الوطنية الفكرية و السياسية مضامين تلك "الصدمات-الرسائل" و أن تسارع إلي بناء إجماع سياسي وطني وَاقٍ و عَاصِمٍ من عدوي الفتن و التجاذب السياسي العنيف و وعدم الاستقرار.
المختار ولد داهي،سفير سابق