حراك رياضي من أجل قتل الأمل بموريتانيا

بات من شبه المؤكد أن بعض القوي الظلامية بموريتانيا استعادت وعيها بعد سنتين من الانتظار للإجهاز علي الحلم الكروي الناشئ، مستغلة ضعف الوعي النخبوي بما يجري،والتجاذبات السياسية والقبلية للعودة إلي الأضواء أو الظلام علي الأصح بعد أن أثبت طيلة مسارها الأسود بأنها جزء من مأساة الجيل.

سخافة المطالب تكشف مستوي الانتهازية الذي تتعامل به بعض الأوساط الرياضية مع أحلام الأمة، ورغبة الجمهور في تسيير أموره نحو الأحسن.

قبل سنتين لم يكن أحد بموريتانيا يهتم بوجه لاعب أو مدرب أو رئيس اتحاد كروي،بحكم الفشل الذي طبع مسيرة القائمين علي المجال، بعد أن حولوها إلي فرصة لتبييض الأموال، بل وتهريب المهاجرين السريين إلي أوربا، ناهيك عن تقاسم الكعكة بين بعض الجزارين في تنويش، وأدعياء الكرة بالعاصمة نواكشوط من أجل جلب تمويل دوري من الوزارة الوصية، ظل مصدر سخرية من العاملين في الحقل الرياضي، للأهداف التي يمرر فيها تمويل الأندية وأموال الاتحاد.

لقد ظلت وضعية اللاعبين الموريتانيين طيلة العقود الماضية، تراوح مكانها، عقود عمل معدومة، ورواتب مفقودة، واهتمام إعلامي صفر، وجمهور غائب، وكرة واحدة يتداولها بعض الهواة من أجل قتل الفراغ، وتبرير الارتزاق في المجال الأسهل بموريتانيا.

ولعل من المضحك أن الذين يتباكون اليوم علي ضعف دوري الدرجة الثانية هم المكلفون بتسييره، وأن الذين يطالبون بالتصويت هم الأكثر تضررا منه، وأن الفزاعة التي يتحدثون عنها بشأن توجيه الأموال للمنتخب مصدرها الرغبة في الحصول علي سيولة تخصص في الغالب لحفلات الزواج أو سيارات الأجرة،بينما يرون كل بسمة في الشارع مصدرها الفساد أو تعلق بالمنتخب الوطني مصدرها الغباء، إنهم أعداء الرموز المحلية، أعداء النجمة التي ترفرف عاليا بعد أن كان محركهم الأول من خلف الستار مصدر كل الهزائم والانسحابات الوقحة التي أضرت بالبلد وسمعته وتقدم رياضييه.

مخجل جدا أن يجلس رئيس نادي كروي في تلفزيون وطنية للدفاع عن رئيس اتحاد كروي كان نموذجا للفشل في التسيير، سببا في الحصار والهزيمة،مصدرا للخيبة والحسرة خارج الملاعب بعد أن حرم اللاعبين من دخولها بقراراته الفجة وغير المسؤولة، وغادر من أول فترة بعد أن رفضت كل القوي الوطنية المهتمة بالكرة التجديد له لما عاشوه في ظله من فشل ذريع.

مخجل أن يدافع البعض عن مسار كان رموز الفعل الكروي فيه يسرقون أقوات اللاعبين وهم في الغربة، ويتركونهم للحصار والاعتقال في مطارات العالم أو فنادق دول الجوار، ويكتفي القائمون علي الفعل الكروي بالاجتهاد لمحاصرة الفضيحة قبل أن تنفجر بعد مرور عقدين من الزمن.

إن الرئيس يدرك قبل غيره أن الذي حرك المياه الراكدة في مجال الكرة، ومنح الرئيس والشعب فرصة للشعور بالاعتزاز والأهمية هو أقدام اللاعبين الذين رعتهم الاتحادية الجديدة، ومخرجات الدوري المحلي الذي رعته الاتحادية الجديدة، ومحترفي البلد الذين أعيد لهم الاعتبار بعد كانت ملاعب البلاد الطاردة مصدر شقاء للاعبين المحليين، ومصدر إبعاد للمحترفين بالغرب.

لقد بات لموريتانيا منتخب كمنتخبات العالم، ينافس فيهزم ويهزم، وباتت لديها أندية محل اعجاب من كل أندية العالم، والجوار المغاربي خير دليل، وبات لموريتانيا منتخب للشباب يواجه عمالقة العالم الكروي، ويختطف صغاره في اسبانيا من قبل كبري الأندية في أول مشوار لهم خارج البلاد.

لقد استعاد حكام الكرة قيمتهم من خلال التنظيم والتجهيز، وشهدت الملاعب تحسنا ملحوظا. فمن أجل اللعب تم تجهيز ملعب شيخا ولد بيديا، ومن أجل التدريب تم بناء ملعب حصري للأكاديمية، ومن أجل ترقية الكرة في الداخل تم تجهيز ملعب روصو، وفي القريب العاجل تكمل الدولة مسار ملعب نواذيبو.

إن الحكومة تدرك قبل غيرها تفاهة مطالب المنتفضين (الدعم والتصويت)، والرأي العام يعرف قبل غيره تاريخ المنتفضين ( السلبية والانهزام)، والحقل الرياضي منشغل بتحضير نفسه لبداية الدوري بعد صفقات انتقال هي الأهم منذ استقلال البلاد عن فرنسا سنة 1960. لن ينخدع أحد بدعاوي الثلة المارقة، لن يسقط المسار مهما ارتفعت أصوات الباحثين عن التمويل الخصوصي، والأمل باق والركب سائر والجميع سيعرف حينما ينقشع الغبار من خدم الرياضة بالفعل ممن خدم نفسه.

عبد الله ولد محمد/ كاتب رياضي