الدستور هو القواعد المنظمة للعلاقة بين الحاكم والمحكوم. و يعبر عن تطور الحالة المدنية حيث يعيش أفراد المجتمع في وئام وانسجام إذ تسيرهم قوانين وقواعد ولا تسيرهم العاطفة أو الهوى أو حكم ( لاتفوتير) كما يقال. وهو يعبر عن روح الشعب وإرادته. وتعتبر نصوصه مقدسة لأنه يعبر عن مصالح الأفراد كلهم وإرادتهم كلهم. لذلك يرى روسو في العقد الاجتماعي أن هناك حالة واحدة ووحيدة لتبربر الثورة على الحاكم، وهي الحالة التي يحاول فيها الخلل أو التلاعب بمواد الدستور و بنوده. لأنه في هذه الحالة ضرب بإرادة المجتمع وسيادته عرض الحائط. ويقاس الاستقرار الاجتماعي والوعي السياسي بمدى استقرار الدستور واحترامه من طرف الحاكم و الشعب ذلك ان المحافظة عليه هي الضمان ضد الزلازل الاجتماعية و القلاقل السياسية، لأن الأفراد يشعرون بالطمأنينة عندما يحافظ على الدستور وقوانين السيادة. ولهذا لو تصفح متصفح لا ئحة الرؤساء الأمريكيين منذ ثلاثة قرون سيلاحظ أن الجميع لم تتجاوز مأموريته 8 سنوات إلا الرئيس آيزنهاور و السبب في ذلك ليس هو الحرب العالمية الثانية بل هو أن الدستور كان يتيح الترشح المفتوح وبعده حدث تحديد المأمورية في مأموريتين من أربع سنوات للواحدة.
إن التناوب على السلطة هو الضمان للاستقرار السياسي. وما نلاحظ من الأزمات اليوم في العالم وخصوصا في العالم العربي إنما منشؤه الحرص على السلطة ونفي أي تناوب عليها. ذلك أن الحاكم يتصور نفسه هو وحده القادر علي تسيير شؤون البلاد ومن الوطنية أن لا يتركها للآخرين الذين في رأيه يفسدون في الأرض و لا يصلحون. ليت شعري من أين جاءهم هذا التصور؟ فهل الله الذي خلقنا أعطى لبعضنا من الحصافة وبعد النظر ما لم يعطه لغيره. الواقع أن العقل هو كما يقول ديكارت هو أعدل الأشياء قسمة بين الناس و كذلك الخبرة السياسية أيضا لذلك جاء في الحديث كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، نعم هناك تفاوت بين الناس ولكنه في الأمور الخارجية ولكن هذه هي القاعدة و الاستثناءات هي تأكيد لها.
السؤال المطروح هو لماذا يتعلق الرؤساء في بلادنا بهذا القصر الرمادي إلى درجة الهلوسة و الجنون؟ وإلى درجة الحديث عن تغيير الدستور. ذلك أن دعوة الرئيس إلى القضاء على الشيوخ هو عبارة عن ( اختيل مولان في الحشيش) فليس المقصود هو مجلس الشيوخ المسكين وإنما المطلوب هو التدرج في الخطوات ـ التغير من الكم إلى الكيف ـ أي أن التغييرات الجزئية تؤدي إلى طفرة وواقع مختلف تماما وذلك للوصول إلى الخطوة الكبري وهي الترشح مثتى وثلاث ورباع، وقد قدم الشيخ سيدي عبد الله ولد الحاج ابراهيم حسابا أصوليا لهذه الأعداد لتصبح أرقاما فلكية، وهذا أيضا ما يطلبه سيادة الرئيس من وراء الخطوة الأولى.
أرى أن للقصر الرمادي نفسه تدخل في حب البقاء هذا. فأخشى ان يكون احدهم وضع فيه ( حجابا) سحرا يجعل الرئيس دائما معلق قلبه به، كلف ذلك ما كلف. من هنا أرى أنه يجب تغيير مكان القصر الرئاسي إلى مكان جديد يقام بتنظيفه، و يوضع في الأساس ( حجاب) يمنع من الاستقرار الطويل. أقصد بهذا الكلام أن الدستور يجب أن يأخذ في القوة و الثبات ثبات القصر الرمادي نفسه فكما أن هذا القصر لا يمكن تحويله إلى جهة أخرى كذلك الدستور لا ينبغي تغييره و لا نسخه.
الشيخ أحمد بيبني الشنقيطي