تحدث فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز في الثالث من مايو الماضي في عاصمة ولاية الحوض الشرقي أمام جمع غفير من الناس لم يسبق أن اجتمع من قبل في تلك الولاية بذلك الحجم ، وقد تعرض رئيس الجمهورية في ذلك المهرجان غير المسبوق ـ إضافة إلي ما ينوي القيام به من تدشين ، والإعلان عن قرارات تهم الوطن وتدعم التنمية ـ إلي الحديث عن مختلف الأوضاع السياسية والاقتصادية والإجتماعية في البلد كعادة أي رئيس يخرج ليخاطب شعبه ، فبين بالأرقام ، وبأسلوب واضح ومقنع مدي التقدم الذي حصل في موريتانيا في الآونة الأخيرة علي مستوي تلك المجالات ، وكان من المنتظر في دولة ديمقراطية ومن الطبيعي أيضا أن تتناول المعارضة خطاب الرئيس بالنقد الهادف والبناء الذي يمكنها من كشف أوجه النقص أو الإختلال في سياسة النظام ، بكل إخلاص ووطنية ،وبما أن المتكلم هو شخص غير عادي ،وبما أن ارتجال الخطاب عادة لا يسلم من بعض الهانات ،مهما كان الخطيب.. حيث يحصل احيانا الانتقال غير السلس من فكرة إلي أخري في لحظة انشغال الخطيب بتقارب موضوعيهما .فإنه كان علي المعارضة الوطنية!! حتي وإن رأت في خطاب الرئيس ما يستوجب الاستهجان، أو يحتمل التأويل السلبي أن تنشغل هي بتبريره مع إبراز العيوب السياسية للخطاب ، لكن أن تثير ضجة كبيرة ، وتأول خطاب الرئيس علي الوجه السلبي ، وتقوله بما لم يقل ، وتحرض شريحة معينة علي الرئيس والنظام ، وتسير المسيرات ، وتفجر وسائل التواصل الإجتماعي بالتعليقات علي ذلك التأويل غير البريء ، فهذا بحق هو آخر مستوي من الترهل وأعلا حد من الوقاحة يمكن أن يصل إليه مستوي العمل السياسي للمعارضة .
كان ذلك عندما حرفت المعارضة خطاب الرئيس فيما يتعلق بالوضع الإجتماعي، فقالت إنه أهان شريحة لحراطين ، بما ذكر من كثرة النسل (الأولاد) ودليلهم علي أنه يعني لحراطين بما قال هو أنه كان يتحدث عن العبودية!!
غريب هو أمر هؤلاء المحللين والسياسيين ، كيف يحرفون كلاما صريحا وواضحا بطريقة فجة ووقحة ويحاولون إقناع الناس به؟!!
الواقع أن رئيس الجمهورية لم يكن يعني شريحة لحراطين فقط بالمثال الذي ذكر ، بل إنه يعني ظاهرة إجتماعية سيئة ومتفشية في كل شرائح المجتمع .
قال رئيس الجمهورية بأن الرجل الذي لديه أولا كثيرون ومتفرقون وإن كان راتبه كبيرا ليس كالرجل الذي لديه أولاد قليلون ، ويتقاضي راتبا قليلا ، فأوضاع الأول رغم كثرة راتبه لن تكون أحسن من أوضاع الثاني رغم قلة راتبه ، هذا من جهة ما إذاكان الرجل الأول يقوم بكل واجباته تجاء أبناءه في كل مكان ، أما إذا كان غير ملتزم بتلك الواجبات ، ولاينفق بانتظام علي أولاده ،فإن أوضاعهم ستكون مزرية جدا ، وسيحدث التسرب المدرسي وينتج عن ذلك الجهل أو الأمية ، ويستتبع ذلك الفقر ، ومن ثمة المرض ، كل ذلك بسبب ظواهر إجتماعية غير محببة حتي من الناحية الشرعية ، لم يرد الرئيس ذكرها بالحرف تجنبا للتفصيل الممل ،وهي ظاهرة الطلاق من جهة، وظاهرة الزواج الفوضوي غير المبني علي غير الرغبة الجنسية العابرة من جهة أخري، تلك الرغبة التي لا تتم معها مراعاة تأسيس الرابطة الزوجية علي أسس متينة لتبقي وتستمر ،الأمر الذي يؤدي إلي انفكاك هذه الرابطة الزوجية سريعا بعد أن تثمر ولدا أوبنتا ، فتتشتت الذرية ويصعب علي الزوج ـ المكلف شرعا بالإنفاق عليها ـ القيام بواجب الإنفاق حتي ولو كان قادرا ، لعدم المباشرة والتوجد في المكان المناسب ، حينها يعيش الأولاد في مستنقع الجهل والفقر والمرض .
ولا شك أنكم جميعا تعلمون أن العبودية هي ظاهرة إجتماعية بغيضة وقد اتخذت الدولة في الآونة الأخيرة كل التدابير للقضاء عليها ، لدرجة أنها أنشأت محاكما خاصة بها ، وسعت منذ فترة للقضاء علي مخلفاتها ، بإنشاء وكالة التضامن ، التي تحط الرحال في كل المناطق التي تعرف تواجدا لمخلفات العبودية ، لتقدم الدعم والعون المناسب للقضاء تدريجيا علي تلك المخلفات ، التي يجمع الحقوقيون والسياسيون والباحثون علي أنها هي الجهل الحاصل عن عدم التمدرس أو بسبب التسرب المدرسي ، والفقر بمختلف مظاهره ومتعلقاته .
وإذا كانت تلك هي مخلفات العبودية التي تحاول الدولة القضاء عليها بكل ما أوتيت من قوة ، فإن هذه المخلفات قبل أن تكون أثرا للعبودية ، هي أثر لعوامل وظواهر إجتماعية أخري مشهودة ومتفشية في مجتمعنا بكل شرائحه... معني ذلك أن الجهل والفقر ليس سببه الوحيد هو ممارسة العبودية في السابق ، بل إن هناك ظواهر إجتماعية أخري غير العبودية تتسبب في حدوث الجهل والفقر ، ومضمون خطاب الرئيس هو أن الدولة رغم سعيها الدؤوب للقضاء علي مخلفات العبودية التي تعتبر معيقا لتقدم المجتمع ،فإن هذه المخلفات لا تزال تزداد بفعل ظواهر إجتماعية أخري متفشية في المجتمع لا تتعلق بشريحة بعينها ، وإنما هي في كل الشرائح وقد عمت بها البلوي ، وهي الزواج بدافع الرغبة فقط ، والطلاق بدون سبب وجيه ،والرئيس هنا يستشعر خطر الجهل والفقر علي المجتمع ، وصعوبة القضاء عليه رغم الجهود الجبارة المبذولة لذلك ،طالما أن لها أسباب أخري غير الإسترقاق ، إذ لم تعد تلك المخلفات مقتصرة علي الشريحة التي كانت تعاني مرارة العبودية، وإلا لسهل القضاء عليها نظرا لما كرس لها من جهود ، ولانحسار أسبابها بالقضاء نهائيا علي العبودية ، لكن الأمر ليس كذلك ، فتلك المخلفات كما قال الرئيس تحدث باستمرار وتتجدد في المجتمع دون حصول العبودية وخارج الشريحة التي كانت مستعبدة ، بسبب ظواهر إجتماعية أخري ، فحسرة الرئيس التي نفهمها في خطابه من أوضاع المجتمع عامة، هي التي أدت إلي ذكره لتعدد الأولاد مباشرة بعد حديثه عن العبودية ، دون التنبيه إلي الإنتقال من فكرة العبودية ومخلفاتها ، إلي فكرة اتباع الشهوات في الزواج ومخلفاته السلبية علي المجتمع التي هي نفسها مخلفات الرق ،محتسبا أن المجال واحد والفكرة واضحة ، ولا داعي إلي توضيح المزيد .
كان عدم وضوح الإنتقال من الحديث عن العبودية إلي الحديث عن ظاهرة فوضوية الزواج والطلاق ، هو ما دفع المعارضة وبنية سيئة إلي ربط كلام الرئيس عن كثرة الأولاد بما سبقه من حديث عن العبودية ، ليحملوا خطابه شحنة عداء ونقد لشريحة لحراطين ،في تأويلية بغيضة ـ لحاجة في انفسهم ـ ونسوا أن أي مواطن مخلص لوطنه وأي شخص موضوعي لن يستسيغ ما ذهبوا إليه من تأول وقح ، لأن رئيس الجمهورية هو أب لجميع المواطنين ، وسطيا بين كل الشرائح ذلك ما تفرضه عليه مهمته النبيلة والحساسة، ولن ينظر بحال من الأحوال نظرة ازدرائية إلي أي جهة ، ولا إلي أي قبيلة ، ولا أي شريحة ، لأنه يمثل مصالح الجميع ويحرص عليها ، ويحميها ، هذا علاوة علي أن الرئيس أي رئيس ،يرجوا دائما أصوات الشعب ويعمل بكل جهوده لإرضاء الشعب وفاءا بمهامه وسعيا إلي استمالة الشعب ، لايمكن أن يتعمد الإسائة إلي شخص عادي ذو وزن في سياسة البلد ، أحري شريحة إجتماعية كاملة ،فهذا التأويل :تحريف يأباه العقل والمنطق السليم .
فكيف تصدق شريحة عريضة بحجم لحراطين في موريتانيا هذا التأويل الفج لخطاب الرئيس؟ ، للإجابة علي ذلك السؤال ينبغي أن نجيب قبله علي هذا السؤال ،هل أصبح الرئيس في غني عن أصوات لحراطين ، في الاستفتاء أو الانتخاب ؟! لا بالطبع ، إذا كيف يجرأ الرئيس إلي إهانة هذه الشريحة ؟ الواقع أن هذا التأويل مفضوح ، ومكشوف ، وغرضه معروف ، وخير من يعرف حقيقة ذلك هم أطر ومثقفي شريحة لحراطين ، الذين يراد لهم أن يصبحوا لعبة في أيدي المعارضة ، تحركهم وتحرضهم بطرق خفية ـ متى شاءت ـ من أجل النيل من نظام ولد عبد العزيز ، مع علمهم بأن إثارة قضية كهذه قد تتجاوز مسألة النظام ، لتتسبب في صراع داخلي بين شرائح المجتمع ، ستكون عواقبه وخيمة علي الجميع .فهل سيستجيب زعماء وقادة شريحة لحراطين لهذا المثير المفتعل المزور علي الرئيس ؟، أم أنهم سيعلمون حقيقة ما أريد به ،ويصممون علي أن يبقوا خير من أسهم في الماضي ، وسيسهم في الحاضر والمستقبل في تعزيز الوحدة الوطنية ؟ .
لقد تأثرت المعارضة ببعض الكلمات التي أوردها الرئيس في خطابه تبين ضعفها وتهافتها ، وأرادت الرد علي ذلك فاتخذت من تأويل خطابه موضوعا لشتمه وسبه دون مناقشة الحقائق التي وردت فيه بشكل موضوعي ، والدليل علي أن تأويلهم لخطاب الرئيس كان فقط إمعانا في السب والشتم لشخص الرئيس ،هو أن مضمون هذا التأويل لن يصدقه أحد يعقل ، لأن الواقع والمنطق كما أسلفنا يبين تهافته.
سيد الأمين ولد باب