لاشك أن القبائل والمجتمعات الموريتانية قبل إنشاء الدولة وبعده وقبل تبني الديمقراطية لتي أوجدت الأحزاب السيايسية لم تكن يوما واحدا مجتمعة على رأي ولا متفقة على شيئ في حياتها وتاريخها حافل بالنزاعات والخلافات حتى في مسائلها الفقية فلا تكاد تجد فتوى مسلمة متفق عليها ولم تجد مخالفا لها وهذ هو ديدنها وشأنها في كل مجالات الحياة هذ هو حال أغلب القبائل والمجتمعات الموريتانية ونفس الخلافات موجودة في القبيلة الواحدة وحتى في الأسرة الواحدة.
ولاتوجد لتلك الخلافات أسباب ملموسة تؤدي لمثل تلك الخلافات وفي رأيي أن السبب الحقيقي هو انتشار أمراض القلوب من حقد وغل وحسد وحب الصدارة والهيمنة والانانية والغيرة وحب التفرد بالامتيازات - المظنونة - إضافة إلى الجهل والتخلف الناشئين عن بداوة إذ مازال من بين مجتمعاتنا من يفتي بحرمة التعليم (المدرسة ) مثلا لذا أرى أنه من الظلم والحيف وعدم الانصاف والقفز على الواقع اتهام الأحزاب السياسية بنشر الكراهية والفرقة بين القبائل والمجتمعات وأختلف مع من يعتقد أنها السبب في النزاعات والفجوات الحاصلة - أو المتوهمة ممن يتهمهم - بين بعض أفراد أسر القبائل .
فالمجتمعات الموريتانية كانت إلى قريب عهد مجتمعات متفرقة في الصحراء وقمم الجبال وكانت تتحارب وتتصارع على أتفه الامور وفي الغالب على مورد أو مرعى وربما لأتفه من ذلك (دعوى شاة ) مثلا هذ إذ استثنينا من يمتهن الصعلكة والغارة لجمع أموال المستضعفين من بعض القبائل وحتى من يجتمعون لقتال العدو المشترك تنخرهم الصراعات الداخلية وهذ هو الواقع فلا داعي للمغالطات وتوزيع التهم جزافا على الأحزاب السياسية دون مبرررات منطقية أكثر من أن منتسبيها يبذلون مالهم ووقتهم وجاههم للرفع من مستوى قوة أحزابهم وبسط صداراتها وتعزيز أفكارها أو أنهم ضايقو بعض محتاجي الأسر الفقيرة في قبيلتهم هذ لا يمكن الحكم به وليس سائغا فمن حق أي منسب لحزب ما المساهمة والتفاني في نجاح مشروعه السياسي .
وواقع الأحزاب السياسية لايوحي بهذه الاتهامات بل العكس فهم يجمعون أفراد القبائل بغض النظر عن خلافاتهم الشخصية فكم من الأفراد بينهم خلافات قبلية ينتسبون لحزب واحد متفقون على سياسته وتوجهه ؟ وهذ ما عجزت عنه القبائل والمجتمعات ولو في تمرير قرار واحد يتفقه عليه الجميع حتى ولو كان زواج فتاة منهم .
فليبحث أمثال هؤلاء ودعاة القبلية عن فكرة أخرى أكثر منطقية يمكنهم إقناع أفرادهم بها ممن تحررو من أعباء القبلية وفضلو توصيل أفكارهم التي اقنعو بها والدفاع عن مبادئهم عن طريق الانتساب لبعض الأحزاب السياسية فعصر الرأي الواحد ولى ولن يعود وفكرة الهيمنة التي كانت تفرضها حياة معينة أدت للتخلف عن ركب الحضارة لأسباب الجهل انتهت بنزوح المجتمعات والقبائل إلى المدن وتعلم أفرادها (ممن وفقو) وانتشار العلم الذي كان محصورا في كناش كتبه فلان وتملكه قبيلة واحدة ولا يمكن حتى للذباب التطفل عليه ولايمكن استخراج حكم منه إلا للاستدلال على نزاع وهو في نظر أولئك المعذورون بسبب البداوة والغيرة الزائدة وربما التمسك والحفاظ على عادات وتقاليد توارثوها عن الأجداد كتاب فصلت آياته من لدن حكيم خبير. نزه القرآن عن التشبيه . رحم الله من مات من الجميع وهدي من بقي إلى الصراط المستقيم وحفظه من التعصب الأعمى ورزقه علما يؤدي به إلى فهم ما يدور حوله.