المسابقة الإقليمية للقرآن الكريم في سياقها الزماني وبعدها الحضاري

يشكل  تنظيم مسابقة إقليمية للتبارى فى كتاب الله تعالى دراية ورواية حدثا تاريخيا يعيد لموريتانيا صورتها الناصعة وسفارتها العلمية التي كسبت بها رأس مال رمزي جعل أبناءها  محل ترحيب وصدارة بين شعوب العالم إذ تحتفظ لهم الذاكرة الجمعوية شرقا وغربا  بفرادة في حفظ العلوم الإسلامية وإتقانها وقدرة على استحضارها عند الحاجة دون العودة إلى الكتب فأجسامهم النحيفة خزانات علمية متنقلة.

 فلا غرابة إن استثمرنا هذا التاريخ المشرق واعتمدتاه قطبا تنمويا  لخلق ذهنية موريتانية أصيلة فى معارفها معاصرة فى طرحها قادرة على الإبداع والابتكار والمساهمة في إثراء  المعرفة الإسلامية ونشرها عبر منعطفات التاريخ ومجالات الجغرافيا التى هيأت لنا الموقع  أن نكون جسرا للتواصل بين شرق الأمم و غربها .

 و هو ما نوَّع الروافد الثقافية والحضارية لإنسان موريتانيا في توَحُد وانسجام في ظل مرجعية الدين معتقدا وتطبيقا عمليا لمقتضيات نصوص الوحي وفق التفسير السٌني الذى ارتضاه رواد أسلمت هذا الصقع الأٌوَّلُ  ضمن ثلاثيته المرجعية  ( الأشعرية في المعتقد والإمام نافع في المقرئ والإمام مالك في الفقه) وهي ثلاثية تجمعنا بفضائنا المغاربي والإفريقي مع أستذتنا  للفضاء الأخير.

ولعل سر نجاح المشروع التنموي اليوم للخطاب الديني هو استلهامه لنقاط التميز والإضافة فى التراث الموريتاني و الانطلاق منها كرافعة ودعامة للإصلاح والتحديث لقراءته  بأدوات الحاضر وبرؤية  المستقبل دون أن نعيش به  بعيون الموتى وقلوب العجزة. ذلك العيش المذموم كما يستروح من قوله تعالى ( وتأكلون التراث أكلا لما). بل نستحضره تجربة بشرية شاء لها الله التوفيق والنجاح وفق ما أراده من وسائل لاستمرارية وشمولية أحكامه التكليفية لمستجدات الواقع البشري ومتغيراته   وتحقيق الوعد الإلهي بحفظ الذكر الحكيم نصا وتطبيقا ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) .

فمنذ أربعة عشر قرنا ونصوصه حاضرة مصونة عن التبديل والتحريف وأحكامه فى حوار مستمر مع الواقع البشري  لتغيير السلوك وتهذيبها إلى أن يرث  الله الأرض ومن عليها  .

وما تنظيم المسابقات الدولية وتطوير مؤسسات التلقي والتلقين للقرآن الكريم  إلا تجليا من تجليات حفظه   وحضوره فى الحياة الإنسانية التي إن لم تتمثل ناشئتها بتعاليمه  ستنجرف  بسيول الانحراف والشذوذ الأخلاقي .

 فالقرآن لها تحصين وترشيد  ووسيلة إصلاح في ظل ما يشهده العالم من انتشار لوسائل التخريب والإفساد بين الشباب بفعل الخواء الروحي وغياب المؤطر والنموذج  .

 وهنا تظهر الوجاهة التربوية في فتح المجال التنافسي أمام الشباب لإعادة الدور الريادي لموريتانيا وحضورها بتميز في المحافل الدولية بعطائهم وتفوقهم العلمي الذى  سيكشف الغشاوة التي كادت أن تحجب صورة موريتانيا الناصعة في محيطها الإسلامي فاعلة في إنتاج المعارف وتوريدها قادرة على تنمية العقول الواعية برسالة الاستخلاف والإعمار في الأرض .

فتنمية الموارد البشرية تتكامل مجالاتها وتلتقي أهدافها مادامت الرؤية واضحة وإرادة  النهوض موجودة في إصلاح التعليم الديني وتفعيل حضوره الإيجابي  ضمن  خطط التمنية الوطنية.

وإذا كانت سنة ألفين وخمسة عشر سنة خصصت لتلافى الخلل في التعليم النظامي كما أعلن السيد الرئيس  فإن هذه السنة بامتياز  سنة تفعيل التعليم الديني و الحضور النوعي للمحظرة الموريتانية  بتجربتها الرائدة على المستوى الإقليمي والدولي.

بقلم د/ محمد الحسن اعبيدى