إن محاولات العرب لإنشاء كيان موحد تنضوي تحته كل الأقطار العربية تعود لفترة قيام الحرب العالمية الأولى عندما وقف العرب في وجه الدولة العثمانية مدعومين من قبل بعض الدول الأوربية كابريطانيا التي وعدت شريف مكة الشريف حسين بإقامة دولة العرب الموحدة تحت قيادته لكن سرعان ما ظهر أن تلك الوعود لم تكن سوى وعود عرقوب أرادت من خلالها بريطانيا الاستفادة من تركة الدولة العثمانية أو تركة الرجل المريض كما كان يسمى في تلك الفترة.
لكن ما إن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها سنة 1945م حتى كان المطلب العربي بإنشاء كيان موحد أقرب إلى التحقق نتيجة لظهور بعض الدول القومية العربية حديثة العهد بالاستقلال عن الدول الغربية الاستعمارية مثل سوريا ومصر والأردن والعراق.....إلخ وهي الدول التي كانت النواة الأولى لمنظمة جامعة الدول العربية التي أعلن عنها في القاهرة يوم 22 مارس 1945م من أجل الدفع بالعمل العربي المشترك في المجالات المختلفة وكذا دعم الشعوب العربية في الحصول على الاستقلال ومن بين تلك البلدان التي كانت ما تزال في تلك الفترة ترزح تحت الاستعمار الغربي الجزائر بلاد المليون شهيد.
ولم يكتمل العقد السادس من القرن 20م حتى استقلت معظم الدول العربية التي كانت من ضمنها الجمهورية الإسلامية الموريتانية التي نالت استقلالها يوم 28 نوفمبر 1960م حيث حاولت هذه الدولة الوليدة الحصول على مكان لها بين الإخوة الأشقاء وهو ما حالت دونه مطالبة مغربية بموريتانيا أرضا وشعبا وهو ما كانت تدعمها فيه بعض الدول العربية كمصر بقيادة رئيسها آنذاك جمال عبد الناصر وبعض الدول العربية الأخرى، حتى سنة 1973م حيث اعترف العرب بموريتانيا بعد 13 سنة من استقلالها عن فرنسا وقبلوها كدولة كاملة العضوية بعد أن نالت عضويتها قبل ذلك بمنظمة المؤتمر الاسلامي.
ومن ما كان يعزي موريتانيا في صبرها على ظلم الأشقاء هو كون اعتراضهم لم يكن على عروبتها بقدر ما كان احتراما لموقف دولة عضو هي المغرب، حيث تعد عروبة موريتانيا متجذرة في القدم حيث وصلت طلائع الفتح الاسلامي هذه البلاد منذ القرن الأول الهجري ثم بعد ذلك خلال العصر الحديث شهدت موريتانيا نهضة ثقافية منقطعة النظير خلال القرنين 17ـ18م في الوقت الذي كان المشرق العربي حينها يشهد انحطاط ثقافي، حيث استفاد المشرق من الرحلات التي كانت تأتي من بلاد ما يسمى ب"بلاد شنقيط" وعلى متنها علماء وشعراء أثروا الدوائر الثقافية في المشرق ونذكر من بين هؤلاء العلماء على سبيل المثال لا الحصر العلامة محمدمحمود ولد اتلاميد التركزي والعلامة لمجيدري ولد حيبالله اليعقوبي والعلامة آب ولد أخطور الجكني ....إلخ
ورغم ما شهد لها به العرب من دور ثقافي في نشر ثقافتهم إلا أنها ظلت مجهولة في الأوساط الشعبية العربية نتيجة لبعدها الجغرافي وغيابها الإعلامي وهو ما تجسده قصة مؤرخ موريتانيا المختار بن حامدن مع التاجر اللبناني في مدينة سينت ـ الويس السنغالية حيث لاحظ بن حامدن الجهل الكبير للمشارقة بموريتانيا وثقافتها وهو ما دفعه لتكريس حياته للتأليف عن تاريخ موريتانيا(موسوعة حياة موريتانيا).
كان انضمام موريتانيا لجامعة الدول العربية حدثا بارزا في نفوس الموريتانيين نخبة وعامة، لكن تقزم دورها في الجامعة العربية كان يخجل المهتمين بالشأن العام الموريتاني حيث ظل ترديد الأوساط الشعبية لهذه العبارة: موريتانيا إذا غابت لاتنتظر وإذا حضرت لا تستشار، متواصلا حتى شهدنا في الآونة الأخيرة حضورا لافتا للدبلوماسية الموريتانية على المستوى الدولي والعربي كانت ثمرته استضافة موريتانيا للقمة العربية بعد اعتذار بعض الدولة عن استضافتها، وكذلك تقلد شخصيات موريتانية مناصب هامة في هيئات دولية كالأمم المتحدة مما يعد نجاحا لنظام الرئيس محمد ولد العزيز خاصة في ظل رئيس وزرائه المهندس يحي ولد حدمين، حيث احتفي بالسيد رئيس الجمهورية في بعض العواصم العربية كما يعول على جيش موريتانيا في إنشاء أي قوة عربية مشتركة أو المشاركة في أي عمل عسكري مشترك.
وفي الختام أود القول أن استضافة موريتانيا للقمة 27 لجامعة الدول العربية التي أطلق عليها "قمة الأمل" مثلت خطوة جبارة برهنت على تفوق الدبلوماسية الموريتانية على المستوى العربي بعد أن نجحت على مستوى إفريقيا في وقت لاحق، وهي لاشك نقطة مهمة تضاف لرصيد النظام الموريتاني الحافل بالانجازات إضافة إلى نجاحاته الداخلية المتمثلة في إقامة بعض المشاريع التنموية الهامة، ولسان حال الشعب الموريتاني هذه الأيام يقول احتفاءا وترحيبا بزوارها الكرام من القادة العرب: هرمنا من أجل اللحظة التاريخية التي يجتمع فيها هؤلاء القادة في موريتانيا ....بلاد شنقيط ...المنارة والرباط.
محمدبراهيم ولد القلاوي