ليلة في ضيافة شريف نيورو (*)

تمر الذكري الاولى لزيارتى لشيخ الطريقة الحموية التيجانية الشيخ محمدو ولد الشيخ حماه الله ولد سيدنا عمار ، كنت محظوظا عندما عينني المجلس الاعلى للقضاء رئيسا لمحكمة كوبني التى تشكل عمقا استراتيجيا لمريدي الشيخ محمدو عندها قررت استثمار الفرصة الاقرب لزيارة الشيخ ، لست غريبا على الطريقة وعلى فكرها ، فجدي لام كان من تلامذة الشيخ حماه الله الذين حكم عليهم بالاعدام و النفي بعد ذلك لان الابعاد الى ارض البيضان اخطر من الاعدام حيث ستفترسك الاسود ان لم يقتلك قطاع الطرق حسب الحاكم الفرنسي لمدينة انيور .

ولعل أول الباحثين الذي تناول حياة الشيخ هو خالي الباحث و الديبلوماسي الدولي عليوت تراوري فى كتابه الموسوم " الاسلام في مواجهة الاستعمار الفرنسي بغرب افريقيا : الشيخ حماه الله المؤمن المقاوم "و الذي ستصدر قريبا ترجمته العربية التى انجزها الباحث بالمركز الموريتانى للبحث العلمي د . بوبة ولد نافع .

كانت الانطلاقة مساءا من مدينة كوبني وكانت البداية مع ضابط الدرك المالي الذي سالني عن الغرض من الزيارة فقلت الذهاب الى الشيخ محمدو فاجاب شريف نيرو ، بعد اقل من ساعة دخلت مدينة النور ، عدا عن الترتيبات البيروقراطية على الحدود شعرت بوحدة المجال و الانسان و كانني اعبر الى مدينتي تمبدغة وتلك الهضبة الواقعة السامقة عند مدخل انيور تذكرني بكلب الكركار عند مدخل تمبدغة ، صادف وصولي صلاة المغرب ، فصليت في مسجد الفوتيين ، مريدي الحاج عمر الفوتي ، بعد الصلاة سالت عن الزاوية الحموية فاجابني الشرطي اتسال عن الخيمة ؟ اجبت باستغراب نعم ، " الخيمة " تعبير رمزي عن التعلق بالوطن وثقافته ، رغم ان الشيخ محمدو صرح اكثر من مرة بانه مالي الجنسية وزار موريتانيا مرة فريدة ، هذه التسمية تذكرني بنقاش اخر اكاديمي خاضه الباحث عليون تراوري مع زملائه الماليين عندما وصف الشيخ حماه الله بالشريف الموريتاني ، كان يعتمد في ذلك على وثيقة سرية لحاكم فرنسي يعتبر الحموية افعى رأسها في انيور وذنبها في الحوض ، يجب ان تقطع من النصف .

تصادف وصولي للخيمة مع وفد مالي رفيع ، كان الشيخ يودع الوفد الزائر وهو في لباسه المتواضع ، تساءلت ولازلت : اليس بامكان هذا الشريف العيش في المنافي الباردة في باريس او نيويورك بعيدا عن هذه المدينة الحارة و المليئة بالباعوض ، هنا تذكرت فتح الله كولن رائد حركة الخدمة .

تعود جذور الطريقة الحموية الى مؤسسها الشيخ احمد حماه الله ولد محمدو ولد سيدنا عمار الذي ولد في مدينة انيور في حدود 1882 الذي اخذ الطريقة التيجانية عن الشيخ سيدي محمد الاخضر الذي وصل مدينة النور سنة 1900 باحثا عن الخليفة المحتمل للطريقة بامر من شيخه التلمساني ويؤرخ الباحث عليون تراوري لهذه اللحظة بقوله " غير ان الشيخ المغاربي كان مشدودا بشاب يبلغ من العمر 19 سنة اسمه الشريف حماه الله، لم يكن يريد لهذا الشاب ان يغادر المنزل الذي يستضيفه هو ، كان يبقيه الى جانبه جل الليالي وحدهما تارة حتى طلوع الفجر، لقد قرب الاخضر الشاب الشريف حماه الله لدرجة ضايقت الكثير من المشايخ ".

ويضيف في مكان اخر " الشيخ حماه الله لم يأت بتعديلات في الطريقة، كان يريد ببساطة أن يعود المريدون إلى منبعها الأصلي كماهو منصوص في كتاب جواهر المعاني ، و الحقيقة انه قبل ظهور الشيخ حماه الله كان المريدون في افريقيا الغربية يحفظون جوهرة الكمال 12 بدلا من 11 "
تظهر القراءة المتانية للاحداث في المنطقة ان حركة الشيخ حماه الله فى ابعادها الحقيقية كانت تؤسس لمطلبين رئيسيين :

- الاول يتمثل في اعادة انتاج نسخة محلية من الطريقة التيجانية ومواجهة التحديات خاصة الاستعمار الذي هادنته الكثير من الطرق الصوفية في المنطقة .

- أما المطلب الثاني فهو اعادة انتاج نسخة جديدة تأخذ بعين الاعتبار المشروع الديني لاسلمة المنطقةالذي مثلته التيجانية منذو ظهورها على يد الشيخ عمر تال .

سيرة الشيخ حماه الله ومعاناته من قبل الادارة الاستعمارية كانت محور الحديث داخل الزاوية الحموية في انيور ، الشيخ محمدو يتصدر المجلس ، تبدا حلقة الذكر ، يهتز كياني ، أبدا في الارتواء وانا القادم لتوي من عواصم الخواء الروحي باريس وبروكسيل ، استمرت الحلقة حتى قبيل منتصف الليل حيث ختمت بصلاة العشاء بعدها تصدر الشيخ المجلس مرة ثانية هذه المرة لحل المشكلات ، عرف عن الشيخ كرمه اللامتناهي ، فلا غرابة ان تسمع شاعرا وقد انشد قصيدة عصماء ، فالشيخ ذواقة للادب خصوصا التقليدي منه .

بعد الصباح ودعت مدينة النور وكلي حب و شوق لشيخها ، سائلا له دوام الصحة و العافية ،
 

(*) نقلا صحفة محمد فاضل