أهم اليات الحكامة فى موريتانيا /

يتبادل الفرقاء السياسيون ممن يشاركون فى الحوار المقام فى البلد هذه الأيام الاراء حول الحياة العامة فى البلد , وقد اتخذوا من الحكامة الاقتصادية أحد تلك المحاور التى يتم نقاشها من قبل عديد الخبراء اللذين تم اختيارهم من قبل أهل الساسة المشاركون فى الحوار.

                                         

تعتبر الحكامة نموذجا تم الحديث عنه ووضع الياته فى نهاية الثماننيات من القرن الماضى بعد ما تأكد عجز سياسات الاصلاح الهيكلى عن تحقيق النمو الاقتصادى فى الدول التى تم تطبيق تلك السياسات فيها , حيث تعرف من طرف البنك الدولى بأنها التسيير الأمثل للموارد المالية من أجل اصلاح قطاع الوظيفة العمومية و الجهاز الحكومى بشكل اعم. كما تأخذ الحكامة الاقتصادية بعدا أهم و أكثر تأثيرا فى الأنظمة الديمقراطية من خلال اشراك منظمات المجتمع المدنى و الفاعلين الاقتصاديين من منطلق مقاربة تشاركية تأخذ فى بعدها الأول تطلعات المواطن و اماله وفى بعدها الثانى الاليات الكفيلة لتحقيق ذلك , إلا اننا نرى ضرورة ان يضاف لهذا التعريف الواقعية فى الطرح والبعد فى التصور ممن منطلق السعي الى وضع تعريف جامع للحكامة الاقتصادية و يتماشى أكثر مع طموح الفرد و خاصة فى دول الجنوب.    

كما يجب أن لا يغيب عن الأذهان الارتباط الوثيق ما بين الحكامة و الادارة العمومية و دولة القانون و القوانين والتشريعات المعمول بها فى مجال محاربة الرشوة و الفساد , على أن ينظر الى الارتباط القائم على أنه منظومة واحدة يتحدد من خلالها وصول الحكامة الاقتصادية الى غايتها المتمثلة فى الفرد.       

من اجل الوصولالى الأهداف المرجوة من الحكامة الاقتصادية لا بد من حصول تكامل جهود الحكومة ومؤسساتها و القطاع الخاص و هيئات المجتمع المدنى , على ان تعتمد المشاركة فى الطرح وتوضع الاليات الكفيلة بتحقيق الشفافية و فى الاخير المحاسبة. كما يجب أن نفهم بان نجاح الحكامة يرتبط ايجابا بأن نكون فى دولة القانون و تتحسن تلك النتائج – وحسب عديد الدراسات - كلما تطورت الممارسة الديمقراطية فى البلد الى الأحسن , يضاف الى ذلك وجود نظام يمكن من مساءلة المسؤولين الاداريين فى الوظائف العامة  ومساءلة كل من يقوم بتسيير المال العام.                                                              

فى بلادنا نحتاج فعلا الى وضع اليات لحكامة اقتصادية تأخذ فى عين الاعتبار حقيقة الوضعية الاقتصادية للبلد ومقوماته الطبيعية و البشرية , كما تعمل على وضع تصور ينطلق من خصوصية المجتمع و سلوك أفراده.                                                                                         

قد لا تكون اضاءة كهذه يمكن من خلالها التطرق الى جميع حيفيات الموضوع وخاصة فيما يتعلق بالجانب الاكاديمى , والذى قد لا يكون ذو أهمية فى وضعية كهذه. نود هنا ان نعرض بعض الاجراءات التى نرى بأنها قد تساعد الخبراء الموكل اليهم الموضوع بالخروج بمقررات ترسخ الحكامة فى البلد  , مع تأكدنا بأنهم لا محالة بأن لهم من الكفاءة العلمية ما سيمكنهم من الخروج بتوصيات عملية من حيث التطبيق وموجهة من حيث الأهداف و مقاسة فى الزمن ونرى الاجراءات الأهم كالتالى :                                                                                                  

- وضع هيئة وطنية مستقلة لمحاربة الرشوة والفساد , تتمثل صلاحياتها فى التحسيس و مراقبة عمل هيئات الرقابة والتفتيش وإصدار تقرير سنوى حول واقع الفساد فى البلد , على ان يتم اختيار أعضائها على أساس النزاهة والكفاءة والخبرة و تكون نتائج عملها فى متناول الجميع.                               

- ابراز أهمية الحكامة فى سياسة الحكومة من خلال خلق قطاع وزارى يتولى المهمة كأن يوكل مثلا الى قطاع الوظيفة العمومية .                                                                                  

- مراجعة مدونة الاستثمار بإدخال المحفزات الضرورية لإزالة العوائق أمام تحول المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من القطاع الغير مصنف الى المصنف.                                                           

- دعم محكمة الحسابات بالموارد البشرية الضرورية والمختصة فى مجال التفتيش و التدقيق , على أن يتم وضع اليات تمكن من أن تكون نتائج عملها متاحة للمواطن.                                           

- تفعيل عمل المفتشية العامة للمالية على مستوى وزارة المالية , على أن يكون اختيار الاشخاص فيها حسب معايير علمية دقيقة تأخذ فى عين الاعتبار الكفاءة والنزاهة.                                          

- وضع خطط عمل على مستوى القطاعات الحكومية تكون أهدافها واضحة و موجهة و مقاسة فى الزمن , على أن تتم محاسبة القائمين على الوزارة من خلال مستوى تنفيذها.                              

 –وضع محور خاص بالحكامة و تنمية الموارد البشرية على مستوى الاطار الجامع للسياسة العامة للحكومة.                                                                                                        

 - تعميم منصب المراقب المالى على مستوى جميع القطاعات الوزارية , و ان يتم اختيار الشخص المناسب مع الصلاحيات و الامتيازات الضرورية ليقوم بعمله على أحسن وجه.                         

 - اعادة النظر فى تعيين مسؤولى المحاسبة على مستوى المؤسسات العمومية , ووضع معايير واضحة فى الاختيار لحساسية و أهمية المنصب.

- وضع الاليات الكفيلة بأن يكون عمل لجان الصفقات القطاعية فى منتهى الشفافية , على ان يتم اعتماد جميع الصفقات فى الأخير من قبل اللجنة الوطنية للصفقات مع وضع الضمانات اللازمة لانسيابية العمل على مستوى جميع القطاعات الحكومية.                                                                       

- الانتقال من الميزانية التقليدية الى الميزانية المبرمجة لأهمية ذلك فى تسيير الموارد العامة للبلد , من خلال برنامج واضح المعالم فيما يتعلق بمراحله الزمنية و الاجراءات المصاحبة وخاصة فيما يتعلق بالتكوين.                                                                                                          

- اعتماد مبدأ التقييم والمتابعة فى المشاريع المنجزة فى البلد و بصورة دائمة حتى يكون بالإمكان التقويم او التوقيف اذا دعت الضرورة.

- الالتزام بإصدار التقارير المتعلقة بالصناعات الاستخراجية و تفعيل الاجراءات فيما يتعلق بقطاع الصيد.                                                                                                           

 

يدخل هذا المقال فى اطار التعرض بالتحليل لبعض المواضيع التى نراها تمس حياة المواطن , ومن خلال طرح علمى نعتمد فيه الحياد و النزاهة الفكرية مع رجائنا أن يسهم ولو بقليل فى انارة الجميع حول قضايا الأمة.                                                                                                

و بهذا العرض نقدم بعض الاضاءات حول مفهوم الحكامة مع بعض الاجراءات التى نراها من بين أخرى قد تساهم فى وضع أسس للحكامة الاقتصادية المرجوة من المتحاورين و ستكون لا محالة اذا ما تم التطبيق فى امال المرقبين والمقاطعين.                                                                     

 

د. محمد أحيد ولد اسلم

أستاذ الاقتصاد بجامعة نواكشوط