شكلت تصريحات الرئيس الموريتانى محمد ولد عبد العزيز ليلة البارحة (20-10-2016) تحولا فى العملية السياسية بموريتانيا، وخروجا من مرحلة التجاذب حول المأمورية، إلى فتح المجال أمام تدافع القوى من أجل الظفر بمنصب الرئيس 2019، بعد مأموريتين كانت الخلافات فيهما بالغة الصعوبة والتعقيد.
وقد فاجئ الرئيس أبرز معارضيه، وعدد من مؤيدية غير المعنيين بصناعة القرار من أعضاء فى الحكومة وقادة فى المؤسسة العسكرية وبرلمانيين، كانت بوصلتهم تترنح مابين حائر من مواقف الرجل، ومتطلع لمأمورية جديدة يداس فيها على الدستور الضامن للتناوب السلمى على السلطة، فى بلد لم تتح فيه للشعب فرصة الاختيار الحر منذ خضوعه للاستعمار.
وهذه أبرز الرسائل التى حمل الخطاب الأخير :
(1) كان الرئيس حاسما فى مسألة المأمورية الثالثة، رافضا زخرف القول والحذلقة اللفظية والتفسيرات المتعسفة للدستور والإرادة الشعبية والقانون، والتى تزعمها ثلاثى الحكومة خلال الأشهر القليلة الماضية ( وزير العدل ابراهيم ولد داداه – وزير الثقافة محمد الأمين ولد الشيخ- وزير المالية المختار أجاي)، مؤكدا أن البلد مل من تغيير الدساتير والتلاعب بالقوانين من أجل مصلحة الفرد، وأن تعهده للأمة عشية انتخابه ماض فيه، وهو أقوى وأوضح تصريح داخلى يطلقه الرجل منذ وصوله للسلطة فى المأمورية الثانية 2014.
(2) أظهر الرئيس أن مجمل قادة المعارضة والمجتمع المدنى خارج دائرة الفعل السياسى، فالجميع يحلل ويعمل ويصعد ويوالى بناء على الشائعات السياسية المتداولة، وقد زاد بالفعل من تيهه احجام الرجل عن التصريح علنا حول المأمورية الثالثة وتمسكه ببعض الوزراء الذين أدمنوا إثارة الجدل والسخرية، والدفاع عن مأمورية ، قال الرئيس نفسه أنها قد تكون مصلحة شخصية، لكنها ليست فى مصلحة الوطن واستقراره وسمعته وتعزيز مؤسساته الديمقراطية.
(3) أختار الرئيس الإعلان عن موقفه الجديد بعد ترتيب بيته الداخلى (الجيش والسياسية)، مع قرارات أخرى بالغة الأهمية على مسار العملية السياسية، كإلغاء مجلس الشيوخ واستحداث تمثيل للموريتانيين فى الخارج داخل البرلمان، ومجالس جهوية من شأنها تعزيز شراكة المجتمع العميق فى صناعة القرار داخل الدولة، بعد أن كادت أظافره تقلم خلال الفترة الأخيرة.
(4) كان الرئيس حاسما فى مسألة النشيد والعلم، مستحضرا تضحية بعض القوى الموريتانية التى ظلمت من المستعمر، والحكومات التى مكن لها المستعمر خلال العقود الأولى للتأسيس، وهو بعد عقائدي مع تأثر بالثقافة المحلية التى يستحضر صاحبها حجم التهميش والظلم الذى مورس ضد أبناء منطقة بذاتها – حتى وان لم يقل ذلك علنا- مؤكدا أن لحظة رد الجميل قد حانت، وأن التمسك بتلك الرموز أهم عنده من كل القرارات الأخري. مع رسالة بالغة الأهمية للقوى العسكرية الممسكة بزمام الـأمور أن التضحيات التى قدمت لها مكان فى نفوس الشعب وصناع قراره.
(5) أظهر الرئيس متابعته الجيدة للجدل الذى دار فى الساحة خلال الفترة الأخيرة حول العلم والنشيد، وكانت أمثلته غاية فى البساطة، وربما كان يكفيه التلميح لا التصريح بشأن الصين والولايات المتحدة الأمريكية، لكن حجم حضور المسألة فى ذهنه دفعه لنثر أبرز مبرراته فى محاولة لمخاطبة المواطن العادى الذى يحاول من خلاله إرسال رسالة قوية للسياسيين فى الاستفتاء القادم.
(6) أكد الرئيس فى الخطاب استعداده للتعامل مع كل القوى السياسية المحلية غير المرتبطة بالأجندة الخارجية – حسب تصوره- ، وطمأنة الشركاء الذين انقطع بهم الاتصال مؤقتا (التحالف الشعبى التقدمى المعارض) من خلال التأكيد على أن مخرجات الحوار ستكون مفيدة للجميع، وهو ماحول التأكيد عليه من خلال شكر المتحاورين الحاضرين والمتحاورين الذين لم يكملوا والشعب الذى تابع الحوار والقوى التى قد تلتحق بمخرجاته خلال الفترة القادمة.
(7) فتح الرئيس المجال أمام القوى السياسية المعارضة له من أجل التحرر من ضيق التفكير فى المأمورية الثالثة إلى سعة التخطيط للرئاسيات القادمة (2019) وعقد التحالفات الممكنة والعمل من أجل الوصول للسلطة أو المنافسة عليها بشكل قوى.
(8) أظهر الرئيس انزعاجه الكبير من أعضاء مجلس الشيوخ والجهة التى تحركهم داخل المجلس وخارجه، وحاول التأكيد على قانونية فعله (الاستفتاء) مع التلويح بعصى القوة لمن يخطط لتخريب الاستفتاء أو من يحاول عرقلة المسار الديمقراطى بموريتانيا، فى تهديد صريح للأطراف التى حذرته من الاستفتاء دون المرور بها، وأعتبرت سلوكه اضرارا بالبلد ووحدته واستقراره.
(9) أظهر الرئيس بشكل صريح تبنيه لوثيقة حزب الاتحاد من أجل الجمهورية التى يبدو أنها صيغت بعناية من طرف القائمين عليها وبتشاور معه بشكل شخصى، فحتى النقاط التى دافعوا عنها بغموض (السن القانونية) كان الرئيس فيها مفصلا وشارحا، ونافيا أن تكون مانعة فقد لشخص أو أثنين ( أحمد ولد داداه ومسعود) بل لأكثر من 30 ألف شخص ، وهو مايعنى أن القصة تم طرحها بالتشاور معه، وعرقلتها داخل الحوار بقرار منه، وهو مايعكس سبب الجفاء الأخير مع رئيس حزب التحالف مسعود ولد بلخير.
(10) أظهر الرئيس استعجالات كبيرا فى تنفيذ مخرجات الحوار عكس الحوارات السابقة، وطالب الجميع لأول مرة بالانخراط فى التعبئة له، وهو ما يعكس حجم التحول الذى يتم التحضير له من قبل الحكومة والحزب الحاكم، لإطلاق الحملات الانتخابية الممهدة للاستفتاء.
(*) نعتذر عن عدم نشر صور حديثة بعد منعها من تغطية الجلسة الختامية من طرف الوزير الأمين العام للرئاسة وبعض معاونيه.