لا شك مطلقا أن الرئيس الأمريكي المنتخب "دونالد ترامب" أزعج إلا حد كبير دول القارة العجوز بما يسمعوه يردد بصوت عال كل الذي تخفيه صدور قادة دولها و سياسييها و معظم شرائح مواطنيها الأصليين و يغطون عليه جميعهم بطبقة واهية وعارية من النفاق السياسي على خلفية الشعور بالقوة و القدرة بالتحكم و التهكم على غالبية شعوب العالم التي كانت إلى فترة قريبة دولها مستعمرات لها و ما زال الكثير منها بشكل أو بآخر يئن تحت نيرها؛ تلكم البلدان و شعوبها التي تتلقى من كل حكومات دول هذا الغرب الصفعات الشديدة و الإهانات المريرة و هي لا ترد و لا تثور نتيجة خلافاتها الحادة و تخلفها المزمن و سوء حكاماتها.
ففي حين كان ترامب يعلن:
· كرهه للمسلمين واصفا إياهم بالإرهابيين لم تكن معاملة الغرب لهم بأحسن حيث ضيقت عليهم الخناق و عزلتهم و اتهمتهم جميعهم بالإرهاب و أساءت إلى نبيهم أفضل خلق الله صلى عليه و سلم، و دنس كتابهم و أغلق مساجدهم و حاصر صلاتهم في الزمان و المكان و أهان ستر نسائهم و دافع عن المسيئين إليهم بالحرف و الريشة و الصورة و أمن لهم الحماية و مول حملات كراهيتهم.
· و يهاجم المهاجرين و يتوعد ببناء حائط بين بلده و المكسيك كانت بعض الدول الأوروبية ترفع متاريس نهارا جهارا على حدودها و تمنع دخول المهاجرين إلى ترابها، فيما البعض الآخر يتدافعهم و يحاصرهم كالخراف في مساحات ضيقة ثم ينتقي منهم على مضض لخدمته في ظل الشيخوخة التي تهدد مستقبلهم.
· و يهاجم و يهين المرأة فإنما سلط الضوء بوقاحة و جرأة على واقعها في كل الغرب الذي لا يقل سوء عما أدلى به جهارا حيث أن هذه المرأة الغربية التي تبدو شامخة و معززة إنما هي في واقع الأمر ممتهنة و مبتذلة، قيمتها ككل السلع التجارية للاستهلاك و إذ لا مكان لها ـ كما أعلنت هيلاري كلينتون و هي تقر بهزيمتها ـ في مقاليد الحكم إلا أن تذكر شواذ و لا في قيادة الحياة الاقتصادية أو الجيش أو كل المجالات الحيوية الاخرى باستثناء ما يكون في حقول الفن و الموضة و الإعلام.
· و يعترف لـ"روسيا" بقوتها و وزنها في عالم تحكمه القوة الغاشمة إنما كان يعري ضعف الغرب و خيبته و عجزه و خجله أمام ضم "الكريمي" و إهانة "أوكرانيا" و قوة الحضور في الصراع السوري.
· و يوجه للصين ذلك التنين المسيقظ الذي بدأ يقذف ألسنة لهبه بكل الاتجاهات و يحرق الأرض تحت أقدام الغرب المغرور في القارة السمراء و يشوش على اقتصاده القارة العجوز و الأمريكات الثلاثة الجنوبية و الوسطى و الشمالية، إنما كان بهذا الموقف الجريء تعبر عما يعتصر ألما و حسرة و كمدا في نفوس القادة الأوروبيين تماما كالامريكين و لا يجرؤون على التعبير عنه.
· و يصرح لحلف الشمال الأطلسي بقاصمة الظهور ليضرب بقوة غرور الأوروبيين و يعري تبعيتهم "الطامعة" في استمرار الولايات المتحدة الأمريكية تولي العبء الأكبر من تمويل أنشطة و تدخلاته في بؤر الحروب عبر العالم.
إن كل هذه المواقف الاستثنائية و التصريحات ـ الغير معهودة في تاريخ السياسة الأمريكية من ناحية، و العالمية عموما و الغربية خصوصا من ناحية أخرى ـ التي أدلى بها طيلة حملته و حتى الفوز المرشح للرئاسة الأمريكية رجل الأعمال الملياردير "دونالد ترامب" جهارا نهارا بصوت جهوري و جرأة كبيرة و بذاءة لسان قل مثيلها، إنما هي من وجهة نظر محايدة و مجردة قد شكلت كلها على حين غرة انعكاسا مفاجئا لمرآة الغرب التي لا يريد رؤية نفسه فيها.