إذا كانت الحياة السياسية تسمح وتشجع وجود جماعات تظهر داخل المجتمعات التعددية للضغط على الحكومات بهدف تحقيق أهداف نبيلة لمنتسبيها، وبوسائل سياسية وأهداف غير سياسية، وهى بذلك تختلف عن الأحزاب في كون وسيلة الحزب سياسية ، وهدفه أيضا سياسي .ومن أبرز أمثلة جماعات الضغط هذه نقابات العمال، والنقابات المهنية، والجمعيات النسائية، وجماعات الحفاظ على البيئة...الخ.،
فإن موريتانيا شهدت خلال العقود الماضية تنامي ظاهرة جديدة من التطفل السياسي دخيلة على المجتمع ومعيقة لأي عملية إصلاح ، وقد حافظت على بقائها وقوتها ووجودها في المشهد السياسي، فهي لا تمتلك أي رؤية فكرية ونقدية وبلا التزام أخلاقي ، تمتهن الابتزاز والتعمية على جهود الفاعلين السياسيين الحقيقيين وتمييع العمل السياسي.
إنه من المحزن حقا أن ترى النخبة الفكرية والسياسية والفاعلين والنشطاء السياسيين والاجتماعيين، وأصحاب الكفاءات الذين ساندوا برنامج رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز، ولا يزالون يدافعون عن الانجازات التنموية التي تم تحقيقها في عهده، يتراجعون إلى الوراء مفسحين المجال وتاركين الساحة السياسية لهذه المجموعات الابتزازية المتطفلة والخطيرة تتصدر المشهد السياسي، وتعرقل عملية الإصلاح وتفرغها من محتواها وتحرفها عن أهدافها .
إن السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه إزاء هذه الوضعية، يتمثل في التساؤل عن هوية المسئول الحقيقي عن وضع معايير تقييم الأداء السياسي داخل المولاة والأغلبية، وما طبيعة تلك المعايير؟، هل يتم تقييم أداء الأفراد والجماعات السياسية بناء على حجم الجهود والأنشطة الفكرية والسياسية التي يبذلونها في دعم برنامج رئيس الجمهورية؟، سواء على المستوى الوطني أو المحلي ؟ أم هما معا؟، وما مدى قدرة الفاعلين على حشد وتأطير المواطنين خلف برنامج الرئيس، وربطهم بتدبير الشأن العام؟، والعمل على التصدي ومحاربة كل دعاية معارضة تسعى إلى تشويه العمل الحكومي والتقليل من حجم الانجازات التنموية؟. أم أن هناك مجموعات متطفلة تمتهن التزلف والنفاق وابتزاز المسئولين وحجب الحقائق، والتشهير بهم وتشويه صورهم، والتقليل من شانهم،ومحاولة ضرب بعضهم ببعض، تلعب دورا كبيرا في وضع معايير التقييم؟.
فهذه الجماعات تسعى من خلال وضع إستراتيجية للابتزاز إلى إجبار المسئولين على تبني أطروحاتهم الاقصائية، الهادفة إلى إقصاء أصحاب الكفاءات والفاعلين السياسيين الحقيقيين، الذين يستطيعون التأثير في الساحة السياسية ولهم القدرة على التنظير وتقديم الحلول للنوازل السياسية، كما يملكون عمقا انتخابيا يعول عليه في مختلف المواسم الانتخابية. والعمل على استبدالهم بآخرين لاوزن لهم سياسيا يمكن التحكم من خلالهم في صدارة المشهد السياسي وتوزيع الغنائم والمنافع، وبالتالي السيطرة على ساحة المولاة.
إن وجود مثل هذه المجموعات الابتزازية خطر ومضر وسيؤدي إلى إضعاف الفعل السياسي، كما سيخيب آمال النخبة التي اصطفت وراء فخامة رئيس الجمهورية، وهو ما يتطلب في نظرنا ضرورة تنقية الحقل السياسي وخاصة ساحة الموالاة من هكذا جماعة.
كما سنكرر ما ذكرناه في مقال سابق بضرورة التعقل وترتيب البيت الداخلي للموالاة ، وذلك من خلال فتح حوار شامل داخل الأغلبية الداعمة للرئيس أحزابا وتكتلات سياسية، والتعرف على مواطن الخلل وأسباب التذمر، والعمل على ترضية وإشراك الذين يعتبرون أنهم مهمشين خلال الفترة الماضية، وأن جهودهم لم تحظى بالتثمين الكافي، ولم تطلهم المكافئات والمنافع والتي في نظرهم حولت إلى غير المستحقين لها، وبقي الفاعلون الحقيقيون على الهامش وتصدر المشهد من لا وزن لهم سياسيا واجتماعيا.
وإن كنا نرى بوادر ذلك الإصلاح من خلال مبادرة رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز بتشكيل لجنة تقييم واقع حزب الاتحاد من أجل الجمهورية والعمل على إصلاحه.وهو ما ينبغي أن يطال بقية أحزاب الأغلبية الحاكمة.
أحمد ولد محمد السالك الداه