رسائل ودلالات خطاب الثالث من مايو / د : محمد ولد أعمر

شكل خطاب رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز يوم 3 مايو الجاري بمدينة النعمة؛ منعطفا حاسما في مسار تطور الدولة الموريتانية الحديثة، وإعلانا سياسيا بإعادة تأسيس موريتانيا جديدة على أسس مكينة قوامها التناوب الديمقرطي على السلطة وإرساء مؤسسات لا مركزية تضمن إشراك كافة الموريتانيين في تسيير الشأن العام والنهوض ببلدهم بشكل جماعي متوازن بين كافة الولايات والتجمعات المحلية.

 

من أبرز معالم هذا التحول الواعد تركيز الخطاب على تأكيد مضي الرئيس ـ بعزم وإصرار ـ في ترسيخ قواعد الممارسة الديمقراطية الصحيحة في البلد؛ بحيث أكد ـ صراحة وبشكل متكرر ـ أنه لن يكون أبدا عقبة أمام ترسيخ الديمقراطية في موريتانيا.

 

رسالة قوية، صادقة ومقنعة، لمن يحاولون الترويج ـ يائسين ـ لدعايات تضليلية مفلسة للتشويش على مستوى التفاف الشعب بكامل أطيافه ومكوناته حول البرنامج السياسي للرئيس محمد ولد عبد العزيز.

رسالة كان لها وقعها الإيجابي في نفوس جميع الموريتانيين من بير أم اكرين إلى روصو، ومن فصالة على نواذيبو؛ فتجاوب معها الجميع بدعم غير مشروط ومباركة غير مسبوقة، ما يعكس درجة تطلعهم لإحداث قطيعة نهائية مع ممارسات الماضي وتراكماته السلبية المعيقة لأي تقدم سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي في هذا البلد.

ومن رسائل الخطاب القوية البليغة ـ أيضا ـ دعوة الرئيس إلى تشاور وطني جامع وشامل يشارك فيه جميع أقطاب المشهد السياسي والقوى الوطنية الحية من مختلف المشارب؛ دون أي شرط ولا قيد، ومن غير محاذر أو اعتبارات مسبقة.

وتأكيدا على صدقية هذه الدعوة وشموليتها، يأتي إعلان رئيس الجمهورية عن عزمه دعوة الشعب الموريتاني إلى استفتاء دستوري يقرر من خلاله ما إذا كان يرغب في إلغاء مجلس الشيوخ أو الإبقاء عليه، مع أنه ترف سياسي تتجاوز سلبياته إيجابياته؛ وكذا إنشاء مجالس جهوية يجد فيه سكان كافة مناطق الوطن ذواتهم ويتولون من خلالها تسيير أمورهم المحلية ويساهمون ـ كل من موقعه ـ في عملية التنمية الوطنية الشاملة.

وهناك رسالة لا تقل قوة وأهمية من سابقاتها، تمثلت في حديث السيد الرئيس عن قدسية الوحدة الوطنية عبر وضعها في المقام الثاني بعد الدين الإسلامي الحنيف؛ ما يعني حرصه على صون السلم المدني وحماية النسيج الاجتماعي للأمة الموريتانية ذات التنوع الثقافي الغني.

لقد كان خطاب الثالث من مايو 2016، حدثا فارقا في مسار النهوض الشامل بموريتانيا وفق رؤية وطنية جديدة تنطلق من ثقة وإيمان بضرورة لعب موريتانيا دورها كاملا في مختلف المحافل الإقليمية والقارية والدولية، وتبوء مكانتها اللائقة بين الأمم، بما يفرض على الجميع احترام سيادة قرارتها وخياراتها الوطنية، والتعامل معها بندية تامة.

وجدير بالتنويه ـ في هذا المقام ـ أن هذه الرؤية الجديدة والثاقبة تتطلب من كل وطني صادق ونزيه مع ذاته، أمين مع وطنه وحريص على مكاسبه الديمقراطية الثمينة؛ وفي طليعتها نظامه الديمقراطي التعددي، وجو الحرية السائد في عموم التراب الوطني وعلى كافة الأصعدة؛ التصدي بقوة وإيمان لجميع محاولات التضليل والتشويش التي تصر بعض قوى الطبقة السياسية التي انقضت صلاحيتها وثبت فشل طرحها وإفلاس خطابها؛ وكانت سببا في جميع مظاهر البؤس والتهميش والحرمان والتخلف التي عانى منها الموريتانيون على مدى عقود خمسة مضت، وسد الباب أمام مخططاتها الهادفة إلى إجهاض عملية البناء والنهوض التي انطلق قطارها على سكة الإصلاح ومحاربة الفساد، وبات من المستحيل وقفه أو تغيير وجهته.. قطار يسع الجميع ويسير بوتيرة تتيح لكل المتخلفين عن الركب اللحاق به قبل صافرة اللاعودة حيث يحكم القاعدون عن المسيرة على أنفسهم بالخروج من دائرة صنع مستقبل البلد والمشاركة في وضع أسس بناء موريتانيا الجديدة.