شكل إعلان الرئيس الموريتانى محمد ولد عبد العزيز استضافة القمة العربية بنواكشوط أكبر تحدى أمنى يطرح أمام قادة الأركان الخمسة منذ إعلان الجيش عن إزاحة الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله 2008.
كان العرض الموريتاني المفاجئ باستضافة القمة العربية بعد اعتذار الرباط بحاجة إلى عنصرين أساسيين من أجل إقناع العرب بنقل الاجتماع إلى نواكشوط بدل القاهرة، وكان الشرط الأبرز لدى مجمل الذين اتصلت بهم موريتانيا هو توفير الأمن للوفود المشاركة في الاجتماع الأهم، قبل الخوض في تفاصيل الضيافة والتجهيزات المطلوبة لعقد قمة بحجم القمة العربية واحتواء طلبات ضيوفها وخصوصا من المدللين الكبار.
أوكلت الحكومة الموريتانية مهمة ضبط الأمن لممثل القوات المسلحة فى اللجنة العليا المشتركة اللواء الركن محمد ولد الغزوانى، وكانت مجمل الأسلاك العسكرية والأمنية شريكة فى التخطيط والتنفيذ والمتابعة.
حسمت قائد الأركان العامة للجيوش بمعية كبار الضباط الفاعلين في الجيش والحر والدرك والشرطة وأمن الطرق تفاصيل الخطة الأمنية التى عهد بها إلى وزارتى الدفاع والداخلية، مع تفويض واضح وصريح باتخاذ كافة التدابير المطلوبة من أجل تمرير الخطة الأمنية كما هو مرسوم وعقد القمة العربية فى أحسن الظروف.
وقد اقتضت الخطة الأمنية القيام بمسح شامل داخل العاصمة نواكشوط والمدن المجاورة من أجل رصد أي تهديد محتمل للقمة، ومتابعة النقاط الحدودية وحركة الأفراد والمركبات خارجها، ومراقبة الأشخاص الوافدين من بعض الدول المجاورة أو تلك المجاورة لجار قريب، وترحيل البعض الآخر إذا أقتضت الظروف ذلك.
وقد عهد بتطهير كل الجيوب الموجودة بين مطار أم التونسى ومقاطعة تفرغ زينه، وتم هدم منازل وشقق ومنتزهات كانت مملوكة لبعض علية القوم وبعض المقربين جدا من الرئيس، من أجل بسط السيطرة عليها بشكل تام، ووضعها تحت المراقبة من الأرض والجو تفاديا لأي اختراق.
كما حددت اللجان الأمنية أبرز الطرق المقبولة إلى الفنادق والمنازل المعدة لاستقبال الضيوف، فتم إغلاق البعض وتأجير المنازل المجاورة للبعض الآخر من أجل وضعه تحت سيطرة القوى الأمنية، وتم إلغاء بعض المنازل والشقق لدواعى أمنية، مع إلزام جميع السائقين بمسلكيات جديدة تفاديا لإغلاق الطرق أوقات حركة الوفود الرسمية، وهو أمر من الناحية الأمنية يشكل أكبر تهديد لسلامة المسؤولين والقوى الأمنية المكلفة بالحماية، كما أنه يعطى صورة غير مريحة عن البلد وحركة النقل فيه.
وقد كلفت اللجنة قطاع الجمارك بمراقبة كل السيارات غير المجمركة وتوقيفها، كما فوض أمن الطرق باتخاذ كل التدابير اللازمة لمعاقبة المخالفين للتعليمات الجديدة، من خلال حجز السيارات ومصادرة البعض الآخر.
كما تم نشر فرق تابعة للشرطة والدرك وأمن الطرق لديها كلاب مدربة على اكتشاف المتفجرات والأسلحة عن النقاط الرئيسية بالعاصمة نواكشوط وقرب مقرات الإقامة وبوابات القصر والمطار.
وقد تم تكليف وحدات النخبة في جهاز الحرس بتأمين أغلب المقار الرسمية، وتم تخصيص وحدة مجهزة ومدربة على حماية الشخصيات العامة لتأمين الملك السعودى (لم يحضر) وملك الكويت وبعض الوفود الأخرى، بينما تم تكليف وحدة تابعة لجهاز الدرك بحماية أمير قطر الشيخ تميم بن حمد، وكان من المفترض أن تتولى قوة أخرى تأمين عبد الفتاح السيسي، لكن الأخير أختار الغياب وسلخ الإجراءات الأمنية والتعريض بها.
وأحيلت حماية قصر المؤتمرات لعناصر الحرس الرئاسى، وهو نفس الإجراء الذى اتخذ في المطار، مع نشر قوات من التدخل السريع في محيط العاصمة نواكشوط، وعلى طول الشاطئ، وتم نشر عناصر من الدرك وأمن الطرق على جنبات الطرق الرئيسية، مع تكليف جهاز الحرس بنشر قوات بعضها قادم من الداخل والآخر من العاصمة نواكشوط فى كل الشوارع المحيطة بمسار الرؤساء بنواكشوط الغربية.
وتم نشر وحدات من جهاز الشرطة فى النقاط الحساسة بنواكشوط ليلا من أجل حمايتها، وإغلاقها مع التركيز على البعد الإستخباراتي تحسبا لأي خرق، ووضع قوات مكافحة الشغب فى جاهزية تامة، والاستعانة بفرق من الداخل لحراسة بعض النقاط كالملعب الأولمبى والقرية الثقافية مع تمركز قوات الشرطة فى الملتقيات الرئيسية دون تدخل أو تنظيم لحركة المرور التى عهد بها إلى جهاز أمن الطرق.
وأحيلت حماية الطائرات الخاصة بالوفود العربية والضيوف الأجانب إلى سلاح الجو، الذي كلف هو الآخر بتسيير طلعات جوية على الحدود الشرقية والشمالية والجنوبية، والعاصمة نواكشوط.
مع مهمة طارئة تم تكليفه بها وهي القيام بمسح للحدود الموريتانية الصحراوية من أجل العثور على وزير صحراوى أختفي فجأة خلال جولة له داخل المناطق الصحراوية المحررة، وهى المهمة التى أفضت إلى تحديد مكانه والمساهمة في إنقاذ حياته بعد خمسة أيام من الاختفاء فى أدغال الصحراء.
كما تم تكليف الأركان الخاصة لرئيس الجمهورية بمهمة نقل الضيوف (رئاسة لجنة النقل)، وهى مهمة ذات طابع أمني حساس، بحكم ضرورة ضبط حركة السائقين المختارين ومتابعة السيارات المستخدمة وحركة الضيوف والمسارات المقرر أخذها، واتخاذ التدابير في حالة وقوع أي خطأ أو تقصير.
وترى الحكومة الموريتانية أن تسيير حدث بهذا الحجم دون خرق أمنى أو خطأ هو أبرز مظاهر النجاح، رغم التحدى الذى تفرضه الظروف الإقليمية والمخاطر الناجمة عن تهديد القاعدة وداعش وبعض الجماعات المسلحة فى المنطقة، ناهيك عن انخراط بعض القوى الإقليمية فى حملة تخويف وتوزيع للتقارير المحذرة من انهيار الأمن بموريتانيا خلال القمة، والحديث عبر وسائل إعلامها شبه الرسمية عن تفجيرات وشيكة وعن مخطط اقليمي لضرب البلد خلال استضافة قمة العرب بنواكشوط.